الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            [ ص: 145 ] ( فصل ) في الضرب الثاني من الضربين السابقين أول الباب وهو عدة الوفاة ، واكتفى عن التصريح به وبوجوبه بالاشتهار والوضوح وفي المفقود وفي الإحداد ( عدة حرة حائل ) أو حامل بحمل غير لاحق بذي العدة كما يعلم مما يأتي ( لوفاة ) لزوج ( وإن لم توطأ ) لصغر أو غيره وإن كانت ذات أقراء ( أربعة أشهر وعشرة أيام بلياليها ) للكتاب والسنة والإجماع إلا في اليوم العاشر ، نظرا إلى أن عشرا إنما تكون للمؤنث وهو الليالي لا غير .

                                                                                                                            ورد بأنه يستعمل فيهما وحذف التاء إنما هو لتغليب الليالي : أي لسبقها ولأن القصد بها التفجع ، والحكمة في ذلك أن الأربعة بها يتحرك الحمل وينفخ فيه الروح وذلك يستدعي ظهور حمل إن كان وزيدت العشرة استظهارا ولأن النساء لا يصبرن عن الزوج أكثر من أربعة أشهر فجعلت مدة تفجعهن ، وتعتبر الأربعة بالأهلة ما لم يمت أثناء شهر وقد بقي منه أكثر من عشرة أيام فحينئذ ثلاثة بالأهلة [ ص: 146 ] وتكمل من الرابع ما يكمل أربعين يوما ولو جهلت الأهلة حسبتها كاملة ( و ) عدة ( أمة ) حائل أو حامل بمن لا يلحقه : أي من فيها رق قل أو كثر بأي صفة كانت ( نصفها ) وهو شهران في هذا الباب بقيده السابق وخمسة أيام بلياليها على النصف نظير ما مر في الثلاثة الأشهر ، وما بحثه الزركشي وغيره أن قياس ما مر أنه لو ظنها زوجته الحرة لزمتها أربعة أشهر وعشر : صحيح ، إذ صورته أن يطأ زوجته الأمة ظانا أنها زوجته الحرة ويستمر ظنه إلى موته فتعتد للوفاة عدة حرة إذ الظن كما نقلها من الأقل إلى الأكثر في الحياة فكذا في الموت ، وبذلك سقط القول بأنه يرد بأن عدة الوفاة لا تتوقف على الوطء فلم يؤثر فيها الظن عنده وبه يفرق بين هذا وما مر ( وإن مات عن رجعية انتقلت إلى ) عدة ( وفاة ) وسقطت بقية عدة الطلاق فتحد وتسقط نفقتها ( أو ) عن ( بائن فلا ) تنتقل إلى عدة الوفاة بل تكمل عدة الطلاق ( و ) عدة ( حامل ) لوفاة ( بوضعه ) للآية ( بشرطه السابق ) وهو انفصال كله ونسبته إلى صاحب العدة ولو احتمالا كمنفي بلعان ، كذا قاله الشارح .

                                                                                                                            وصورته أنه لاعنها لنفي حملها ثم طلق زوجة له أخرى ثم اشتبهت المطلقة الحامل بالملاعنة الحامل أيضا أو يكون ذلك تنظيرا ( فلو مات صبي عن حامل فبالأشهر ) عدتها لا بالوضع للقطع بانتفاء الحمل عنه ( وكذا ممسوح ) ذكره وأنثياه فعدتها بالأشهر لا بالحمل ( إذ لا يلحقه ) الولد ( على المذهب ) لتعذر إنزاله لفقد أنثييه ولأنه لم يعهد لمثله ولادة .

                                                                                                                            وقال الإصطخري وغيره [ ص: 147 ] باللحوق لأن معدن الماء الصلب وهو ينفذ من ثقبة إلى الظاهر وهما باقيان ، ويحكي ذلك قولا للشافعي رضي الله عنه فتنقضي بوضعه هذا إن لم يولد لمثله ( ويلحق ) الولد ( مجبوبا بقي أنثياه ) لبقاء أوعية المني حيث أمكن ذلك كما مر ( فتعتد ) زوجته ( به ) أي بوضعه لوفاته ، وقول الشارح ولا عدة عليها لطلاقه : أي حيث لم تكن حاملا ولم تستدخل ماءه المحترم ( وكذا مسلول ) خصيتاه ( بقي ذكره ) فيلحقه الولد وتعتد زوجته بوضعه ( على المذهب ) لأنه قد يبالغ في الإيلاج فينزل ماء رقيقا ، وقيل لا يلحقه لأنه لا ماء له ودفع بما مر ، وقولهم الخصية اليمنى للماء واليسرى للشعر لعله باعتبار الغالب ، وإلا فقد وجد من له اليسرى وله ماء كثير وشعر كذلك

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            [ ص: 145 ] فصل ) في الضرب الثاني من الضربين السابقين ( قوله : غير لاحق بذي العدة ) أي بأن كان من زنا أو شبهة ، فالأول تنقضي معه العدة والثاني تؤخر معه عدة الوفاة عن عدة الشبهة فتشرع فيها بعد وضع الحمل . [ فرع ] مسخ الزوج حجرا اعتدت زوجته عدة الوفاة أو حيوانا اعتدت عدة الطلاق م ر ا هـ سم على منهج ولعل الفرق بينهما : أنه في الأول صار جمادا فالتحق بالأموات ، وفي الثاني ببقاء الحياة فيه كان بصفة المطلق حيث صار بصفة لا تحل له فيها المرأة فكان إلحاقه بالمطلق أولى ( قوله : لوفاة الزوج ) وقع السؤال في الدرس عما لو ماتت الزوجة موتا حقيقيا والزوج حي ثم حييت هل تتزوج بغيره حالا لأنها بالموت سقطت عنها سائر الأحكام وهذه حياة جديدة أم لا فلا تتزوج بغيره ما دام حيا حتى يموت أو يطلقها وتعتد عدة الوفاة في الأول والطلاق في الثاني ؟ فيه نظر ، والأقرب الأول للعلة المذكورة ، ولا فرق في ذلك بين عودها لزوجها الأول وبين تزوجها بغيره ( قوله : لصغر ) أي وإن لم تكن متهيئة للوطء ( قوله : ورد بأنه إلخ ) ما ذكره من الرد لا يصلح دليلا على وجوب اليوم العاشر وإن كفى في الرد على من لم يوجبه ، فكان ينبغي أن يقول وإنما وجب العاشر لكذا ، ولعل الموجب للعاشر الاحتياط وإلا فالآية محتملة على ما وجه به ( قوله : ولأن القصد ) عطف على قوله للكتاب ( قوله : أكثر من عشرة أيام ) [ ص: 146 ] أي وأما لو بقي منه عشرة فقط فتعتد بأربعة أهلة بعدها ولو نواقص ( قوله بقيده السابق ) هو قوله ما لم يمت أثناء شهر إلخ ( قوله : وعشر صحيح ) خلافا لحج حيث قال ويرد : أي بحث الزركشي بأن عدة الوفاة لا تتوقف على الوطء فلم يؤثر فيها الظن عنده ، وبه يفرق بين هذا وما مر ا هـ .

                                                                                                                            وما قاله حج الأقرب لما علل به ( قوله : ويستمر ظنه إلخ ) في شرح الروض .

                                                                                                                            قال الأذرعي : والظاهر أن المبعضة كالقنة وأن الأمة لو عتقت مع موته اعتدت كالحرة ا هـ سم على حج .

                                                                                                                            وحكم المبعضة علم من قول الشارح : أي من فيها رق قل أو كثر ( قوله : وما مر ) أي من أنه لو وطئ أمة يظنها زوجته الحرة اعتدت بثلاثة أقراء ( قوله : فتحد ) هو بضم التاء وكسر الحاء من أحد وبفتح التاء مع كسر الحاء وضمها من حد ( قوله بل تكمل عدة الطلاق ) ولها النفقة إن كانت حاملا ا هـ سم ( قوله : وصورته ) أي المنفي بلعان ( قوله : أو يكون ذلك تنظيرا ) أي نظير ما قيل في المفارقة في الحياة ( قوله : للقطع بانتفاء الحمل ) يؤخذ منه أن الكلام فيمن لا يمكن إحباله وبه صرح حج ، وسيأتي في كلامه في قوله هذا إن لم يولد إلخ فإنه قيد في الصبي لا الممسوح ( قوله : إذ لا يلحقه ) قضيته أنه لو فرض أنه نزل منه ماء لم يثبت له حكم المني في نحو [ ص: 147 ] الغسل وإلا يلحقه الولد لإمكان الاستدخال حينئذ ، وقد يقال : قضية قول الشارح لتعذر إنزاله أنه لو علم إنزال وجب الغسل ولحق الولد إذا احتمل الاستدخال ا هـ سم على حج .

                                                                                                                            أقول : ويمكن الجواب بأن كلا من قوله لتعذر إنزاله وقوله ولأنه لم إلخ علة مستقلة والحكم يبقى ببقاء علته فلا يلحقه الولد لفساد منيه ويجب عليه الغسل لوجود المني وإن لم ينعقد منه الولد ( قوله : ودفع بما مر ) أي في قوله لأنه قد يبالغ إلخ ( قوله : وإلا فقد وجد ) هذا يقتضي قوة ما ذهب إليه الإصطخري من لحوق الولد للممسوح لبقاء معدن المني ( قوله : وشعر كذلك ) ذكره في هذه لا يصلح أن يكون من محل الرد لوجود مادة الشعر عند القائل به ، وكان الأظهر في الرد أن يقول بعد قوله وله ماء كثير : ومن له اليمنى فقط وله شعر كثير



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 145 ] فصل ) في الضرب الثاني إلخ . ( قوله : نظرا إلى أن عشرا إلخ . ) هو تعليل للقول بعدم اعتبار اليوم العاشر الذي هو أحد الوجهين المفهومين من قوله إلا في اليوم العاشر لا لعدم الإجماع على اليوم العاشر ، وإن أوهمه سياقه .

                                                                                                                            وتحرير العبارة إلا في اليوم العاشر فقد قيل : بعدم اعتباره نظرا إلخ . ( قوله : وحذف التاء إنما هو لتغليب إلخ . ) قد يقال ما الداعي إلى هذا مع أن عشرا يستعمل فيهما إلى أن يقال هو ، وإن استعمل فيهما إلا أن استعماله في الأيام على خلاف الأصل فتأمل ( قوله : ; ولأن القصد بها التفجع ) هو علة أخرى للمتن من حيث المعنى لكن لا من حيث أصل ثبوت عدة الوفاة ولا من حيث كونها أربعة أشهر وعشرا بل من حيث استواء المدخول بها وغيرها فيها ( قوله : والحكمة في ذلك ) قد يقال إن ذلك [ ص: 146 ] ينافي كونها للتفجع المستوي فيه المدخول بها وغيرها .

                                                                                                                            ( قوله : وتكمل من الرابع ) من فيه ابتدائية ( قوله : في هذا الباب ) انظر ما الداعي إليه هنا وليس في التحفة ( قوله : إذ صورته أن يطأ زوجته إلخ . ) هذه الصورة هي محل النزاع فليست تعليلا للصحة ، وإنما تعليل الصحة قوله : بعد إذ الظن كما نقلها إلخ . ( قوله : وبذلك سقط القول إلخ . ) قال سم : هذا عجيب مع ما أشار إليه الشارح : يعني : حج الذي قصد الشارح الرد عليه من الفرق بأن عدة الحياة لما توقفت عن الوطء اختلفت باختلاف الظن فيه ، بخلاف عدة الوفاة لا تتوقف عليه فلم يختلف بذلك ( قوله : وبه يفرق ) هذا من تتمة الكلام المردود ( قوله : أو يكون ذلك تنظيرا ) أي فكأنه قال ولو احتمالا نظير المنفي بلعان فإنه ينسب إلى النافي احتمالا لكن ينظر ما صورة المنسوب للميت في مسألتنا احتمالا ( قول المتن فلو مات صبي ) أي دون تسع سنين كما يعلم ذلك مما مر في باب الحجر وصرح به في التحفة هنا ( قوله : لفقد أنثييه ) سيأتي [ ص: 147 ] في المسلول أن يلحقه الولد مع فقد أنثييه فلعل العلة مركبة من هذا التعليل والذي بعده إن سلم أن المسلول عهد لمثله ولادة ( قوله : هذا إن لم يولد لمثله ) هذا راجع إلى الصبي فقط بقرينة ما مر أن الممسوح لم يعهد له ولادة ( قوله : ; لأنه قد يبالغ إلخ . ) قد يقال : إن هذا يتأتى في الممسوح بالمساحقة إذ الذكر لا أثر له في الماء ، وإنما هو طريق كالثقبة




                                                                                                                            الخدمات العلمية