الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله ( ومن أمكنه السعي إليه لزمه ذلك ، إذا كان في وقت المسير ووجد طريقا آمنا لا خفارة فيه ، يوجد فيه الماء والعلف على المعتاد ) يشترط في الطريق : أن يكون آمنا ، ولو كان غير الطريق المعتاد ، إذا أمكن سلوكه ، برا كان أو بحرا . لكن البحر تارة يكون فيه السلامة ، وتارة يكون فيه الهلاك ، وتارة يستوي فيه الأمران ، فإن كان الغالب فيه السلامة : لزمه سلوكه ، وإن كان الغالب فيه الهلاك : لم يلزمه سلوكه إجماعا ، وإن سلم فيه قوم وهلك فيه [ ص: 407 ] آخرون ، فذكر ابن عقيل عن القاضي : يلزمه . ولم يخالفه ، وجزم به في التلخيص ، والنظم ، والصحيح من المذهب : أنه لا يلزمه ، جزم به المصنف وغيره ، وهو ظاهر كلام المجد في شرحه .

وقال ابن الجوزي : العاقل إذا أراد سلوك طريق يستوي فيه احتمال السلامة والهلاك : وجب الكف عن سلوكها ، واختاره الشيخ تقي الدين ، وقال : أعان على نفسه ، فلا يكون شهيدا ، وظاهر الفروع : إطلاق الخلاف ، ويشترط على الصحيح من المذهب : أن لا يكون في الطريق خفارة . فإن كان فيه خفارة : لم يلزمه . وعليه أكثر الأصحاب . وقال ابن حامد : إن كانت الخفارة لا تجحف بماله : لزمه بذلها ، وجزم به في الإفادات ، وتجريد العناية ، وهو ظاهر الوجيز ، وتذكرة ابن عبدوس . وقيده المجد في شرحه ، والمصنف في الكافي : باليسيرة . زاد المجد : إذا أمن الغدر من المبذول له . انتهى . قلت : ولعله مراد من أطلق ، بل يتعين ، وقال الشيخ تقي الدين : الخفارة تجوز عند الحاجة إليها في الدفع عن المخفر ، ولا تجوز مع عدمها كما يأخذه السلطان من الرعايا .

تنبيه : ظاهر قوله " يوجد فيه الماء والعلف على المعتاد " لا يلزمه حمل ذلك لكل سفره ، وهو صحيح . وهو المذهب ، وعليه أكثر الأصحاب ، لمشقته ، عادة ، وقال ابن عقيل : يلزمه حمل علف البهائم إن أمكنه كالزاد . قال في الفروع : وأظن أنه ذكر في الماء أيضا .

قوله " ومن أمكنه السعي إليه : لزمه ذلك إذا كان في وقت المسير ، ووجد طريقا آمنا " . قدم المصنف أن إمكان المسير ، وتخلية الطريق : من شرائط لزوم الأداء ، وهو إحدى الروايتين ، وعليه أكثر الأصحاب ، وجزم به في الوجيز ، وهو ظاهر [ ص: 408 ] كلام الخرقي . قال المجد في شرحه ، وتبعه في الفروع : اختاره أكثر أصحابنا . وصححه في النظم ، وقدمه ابن منجى في شرحه ، والتلخيص ، وعنه أن إمكان المسير وتخلية الطريق : من شرائط الوجوب ، وهو الصحيح من المذهب على ما يأتي في المحرم . قال الزركشي : هذا ظاهر كلام ابن أبي موسى ، والقاضي في الجامع ، واختاره أبو الخطاب وغيره ، وقدمه في المحرر ، والرعايتين ، والحاويين ، والفائق ، وجزم به في الهداية ، والمذهب ، ومسبوك الذهب ، والخلاصة ، والهادي . وأطلقهما في المبهج ، والإيضاح ، والشرح ، والفروع ، والمستوعب ، والكافي ، والمغني ، وشرح المجد ، فعلى المذهب : هل يأثم إن لم يعزم على الفعل إذا قدر ؟ قال ابن عقيل : يأثم إن لم يعزم . كما نقول في طريان الحيض ، وتلف الزكاة قبل إمكان الأداء . والعزم في العبادات مع العجز يقوم مقام الأداء في عدم الإثم . قال في الفروع : ويتوجه الذي في الصلاة ، وعلى الرواية الثانية : لو حج وقت وجوبه ، فمات في الطريق : تبينا عدم الوجوب ، وعلى الأول : لو كملت الشروط الخمسة ، ثم مات قبل وجود هذين الشرطين : حج عنه بعد موته . وإن أعسر قبل وجودهما : بقي في ذمته ، وعلى الرواية الثانية : لم يجب عليه الحج قبل وجودهما .

فائدة : يلزم الأعمى أن يحج بنفسه بالشروط المذكورة ، ويعتبر له قائد . كبصير يجهل الطريق ، والقائد للأعمى كالمحرم للمرأة . ذكرها ابن عقيل ، وابن الجوزي ، وأطلقوا القائد ، وقال في الواضح : يشترط للأداء قائد يلائمه . أي يوافقه ، ويلزمه أجرة القائد بأجرة مثله . على الصحيح من المذهب . وقيل : وزيادة يسيرة ، وقيل : وغير مجحفة ، ولو تبرع القائد لم يلزمه للمنة .

التالي السابق


الخدمات العلمية