الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله ( إلا القمل في رواية إذا قتله المحرم ) . اعلم أن في جواز قتل القمل وصئبانه للمحرم روايتين ، وأطلقهما في الهداية ، والمذهب ، ومسبوك الذهب ، والمستوعب ، والكافي ، والهادي ، والمغني ، والتلخيص ، والرعايتين ، والحاويين ، والفائق ، وشرح ابن منجى . إحداهما : يباح قتلها . كالبراغيث ، جزم به في الوجيز ، والإفادات ، والمنور والمنتخب ، وصححه في التصحيح ، والخلاصة ، والنظم ، فلا تفريع عليها ، والرواية الثانية : لا يباح قتلها . كالبراغيث ، وهي صحيحة من المذهب ، وهي ظاهر كلام الخرقي . قال الزركشي : هي أنصر الروايتين . واختيار الخرقي ، وجزم به في الإفادات وقدمه في الفروع ، وشرح ابن رزين ، والزركشي ، والمحرر ، فعلى المذهب : هل يجب عليه في قتلها جزاء ؟ فيه روايتان . وأطلقهما في الفروع ، والزركشي ، والكافي . إحداهما : لا جزاء عليه ، وهي المذهب . قال في العمدة : لا شيء فيما حرم أكله إلا المتولد ، وقدمه في المغني ، والشرح ، وابن رزين ، وصححه في النظم ، فلا تفريع عليها . والثانية : عليه جزاء ، وقال في المحرر : إن حرم قتله : ففيه الفدية ، وإلا فلا [ وهو ظاهر ما جزم به في الهداية ، والمستوعب ، والرعايتين ، والحاويين وغيرهم ] فعليها : أي شيء تصدق به كان خيرا منه ، جزم به المصنف ، وجزم به [ ص: 487 ] في المغني ، والشرح ، والفائق ، والفروع ، والزركشي ، والمحرر ، والرعاية وغيرهم . [ وقال في المذهب : إذا قلنا : لا يباح قتله وكان قد جعل في رأسه زئبقا قبل الإحرام ثم يقع ، فيها بعد الإحرام صيد على ما تقدم ] .

تنبيه : ظاهر كلام المصنف : أن الروايتين في تحريم قتل القمل لا فرق فيهما بين قتله ورميه ، أو قتله بالزئبق ونحوه من رأسه وبدنه ، وثوبه ظاهره وباطنه ، وهو اختيار المصنف ، والشارح [ وجزم به ابن رزين وغيره ، وقدمه في الرعاية الكبرى وغيره ، وهو ظاهر كلام أكثر الأصحاب ] ، وقيل : رميه من غير ظاهر ثوبه كقتله ، وقال في المذهب : إذا قلنا : لا يباح قتله وكان قد جعل في رأسه زئبقا قبل الإحرام ، فتلف الإحرام : لم يضمن . انتهى .

قلت : هذا يفتي من نصب الأحبولة قبل الإحرام ، ثم يقع فيها بعد الإحرام صيد ، ما تقدم [ وأطلقهما في الفروع ] ، وقال القاضي وابن عقيل : إنما الروايتان فيما إذا أزاله من شعره وبدنه وباطن ثوبه ، ويجوز من ظاهره . نقله عنهما في الفروع ، وحكى المصنف والشارح : أن الروايتين فيما أزاله من شعره . أما ما ألقاه من ظاهر بدنه وثوبه فلا شيء فيه ، رواية واحدة . انتهيا .

قال الزركشي : قال القاضي في الروايتين : وموضع الروايتين : إذا ألقاها من شعر رأسه أو بدنه أو لحمه . أما إن ألقاها من ظاهر بدنه ، أو ثيابه ، أو بدن محل ، أو محرم غيره : فهو جائز ، ولا شيء عليه رواية واحدة .

فائدة : يجوز قتل البراغيث مطلقا على الصحيح من المذهب ، وعليه جماهير الأصحاب . وقطع به أكثرهم ، وهو ظاهر كلام المصنف هنا ، وقال في الفروع : ظاهر تعليق القاضي : أن البراغيث كالقمل . قال : وهو متوجه ، وجزم في الرعاية في موضع : لا يقتل البراغيث ، ولا البعوض . وذكره [ ص: 488 ] في موضع آخر قولا ، وزاد : ولا قرادا . وقال الشيخ تقي الدين : إن قرصه ذلك . قتله مجانا ، وإلا فلا يقتله .

تنبيه : مفهوم قوله " إلا القمل إذا قتله المحرم " أنه لا يحرم قتله في الحرم ، وهو صحيح ، فيباح بلا نزاع بين الأصحاب .

التالي السابق


الخدمات العلمية