الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله ( وحرمها ما بين ثور إلى عير ) ، وهو ما بين لابتيها ، وقدره : بريد في بريد ، نص عليه . قال المصنف في المغني ، والشارح وغيرهما : قال أهل العلم بالمدينة : لا يعرف بها ثور ولا عير وإنما هما جبلان بمكة ، فيحتمل أنه عليه أفضل الصلاة والسلام أراد قدر ما بين ثور إلى عير ، ويحتمل أنه أراد جبلين بالمدينة وسماهما ثورا وعيرا تجوزا ، والله أعلم ، وقال في المطلع : عير جبل معروف بالمدينة مشهور ، وقد أنكره بعضهم . قال مصعب الزبيري : ليس بالمدينة عير ولا ثور ، وأما ثور : فهو جبل بمكة معروف ، فيه الغار الذي توارى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبو بكر رضي الله عنه ، وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال { المدينة حرم ما بين عير إلى ثور } . قال عياض : أكثر الروايات في البخاري ذكروا " عيرا " فأما " ثور " فمنهم [ ص: 561 ] من كنى عنه بكذا ، ومنهم من ترك مكانه بياضا . لأنهم اعتقدوا ذكر " ثور " خطأ . قال أبو عبيد : أصل الحديث { من عير إلى أحد } وكذا قال الحازمي وجماعة ، وقال : الرواية صحيحة . وقدروا كما قدر المصنف ، والشارح .

قال في المطلع : وهذا كله لأنهم لا يعرفون " ثورا " بالمدينة ، وقد أخبرنا العلامة عفيف الدين عبد السلام بن مزروع البصري قال : صحبت طائفة من العرب من بني هيثم ، وكنت إذا صحبت العرب أسألهم عما أراه من جبل أو واد ، وغير ذلك ، فمررنا بجبل خلف أحد ، فقلت : ما يقال لهذا الجبل ؟ قالوا : هذا جبل ثور ، فقلت : ما تقولون ؟ ، قالوا : هذا " ثور " معروف من زمن آبائنا وأجدادنا ، فنزلت وصليت ركعتين . انتهى . قال العلامة ابن حجر في شرح البخاري : وذكر شيخنا أبو بكر بن حسين المراغي نزل المدينة في مختصر لأخبار المدينة : أن خلف أهل المدينة ينقلون عن سلفهم : أن خلف أحد من جهة الشمال جبلا صغيرا إلى الحمرة بتدوير . يسمى " ثورا " قال : وقد تحققته بالمشاهدة . انتهى . وقال المحب الطبري بعد حكاية كلام أبي عبيد ومن تبعه قال : أخبرني الثقة العالم عبد السلام البصري : أن حد أحد عن يساره جانحا إلى ورائه جبل صغير يقال له " ثور " وأخبر أنه تكرر سؤاله عنه لطوائف من العرب العارفين بتلك الأرض وما فيها من الجبال ، فكل أخبر : أن ذلك الجبل اسمه " ثور " وتواردوا على ذلك . قال : فعلمنا أن ذكر " ثور " في الحديث صحيح ، وأن عدم علم أكابر العلماء به لعدم شهرته ، وعدم بحثهم عنه . قال : وهذه فائدة جليلة . انتهى .

وقال في الرعايتين والحاويين ، والفائق وغيرهم : وحرمها ما بين جبليها ، وقيل : كما بين ثور إلى عير . قال في الفروع : وحرمها ما بين لابتيها بريد في بريد ، نص عليه انتهى . [ ص: 562 ] وقد ورد { أحرم ما بين لابتيها } وفي رواية { ما بين جبليها } وفي رواية { ما بين مأزميها } . قال الحافظ العلامة ابن حجر في شرحه : رواية { ما بين لابتيها } أرجح لتوارد الرواية عليها ، ورواية " جبليها " لا تنافيها ، فيكون عند كل جبل لابة . أو " لابتيها " من جهة الجنوب والشمال ، و " جبليها " من جهة المشرق والمغرب ، وعاكسه في المطلع ، وأما رواية " مأزميها " ، فالمأزم : المضيق بين الجبلين . وقد يطلق على الجبل نفسه .

التالي السابق


الخدمات العلمية