الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          ومن رمى صيدا فلم يثبته فدخل خيمة غيره ، أو وثبت سمكة فوقعت بحجره . وفي المغني : لا بعمل صياد ، أو دخلت ظبية داره فأغلق بابه وجهلها أو لم يقصد تملكها ، ومثله إحياء أرض بها كنز ، فقيل : يملك ، كنصب خيمته وفتح حجرة للأخذ وعمل بركة للسمك فوقع بها وشبكة وشرك ، نص عليه ، وفخ ومنجل وحبس جارح له وبإلجائه لمضيق لا يفلت منه ، وقيل : يملكه بأخذه ، وقيل . هو مباح ( م 7 - 10 ) وفي الترغيب : [ ص: 331 ] إن دخل الصيد داره فأغلق بابه أو برجه فسد المنافذ أو حصلت السمكة في بركته فسد مجرى الماء فقيل : يملكه ، وقيل : إن سهل تناوله منه ، [ ص: 332 ] وإلا كمتحجر للإحياء . ويحتمل اعتبار قصد التملك بغلق وسد ، فعلى الأول ما يبنيه الناس من الأبرجة لتعشش بها الطيور يملكون الفراخ إلا أن تكون الطيور مملوكة فهي لأربابها ، نهى عليه ، وإن حصل . أو عشش [ بأرضه صيد أو طائر لم يملكه نقل صالح وحنبل ] فيمن صاد من نخلة بدار قوم فهو له ، فإن رماه ببندقة فوقع فيها فهو لأهلها ، كذا قال الإمام أحمد . وفي الترغيب : ظاهر كلامه : يملكه بالتوحل ، ويملك الفراخ ، فخرج في المسألة وجهان ، أصحهما : يملكه وإنما لم يضمنه في الأولى في الإحرام ; لأنه لم يوجد منه فعل يوجب ضمانا ; لأنه ما ملكه ، وكذا في عيون المسائل : من رمى صيدا على شجرة في دار قوم فحمل نفسه فسقط خارج الدار فهو له ، وإن سقط في دارهم فهو لهم لأنه حريمهم .

                                                                                                          وفي الرعاية : لغيره أخذه ، على الأصح ، والمنصوص أنه للمؤجر ، وذكر أبو المعالي : إن عشش بأرضه نحل ملكه ; لأنها معدة لذلك . وفي كتاب الآدمي : إلا أن يعد حجره وبركته وأرضه له ، وسبق كلامهم في زكاة ما يأخذه من المباح أو من أرضه وقلنا لا يملكه أنه يزكيه اكتفاء بملكه وقت الأخذ ، كالعسل ، وهذا كالصريح في أن النحل لا يملك بملك الأرض وإلا لملك العسل ، ولهذا قال في الرعاية في الزكاة : سواء أخذه من أرض موات أو مملوكة له أو لغيره ، وإن أثبته ملكه ، فلو رماه فقتله حرم ، لأنه مقدور عليه . نقل ابن الحكم : إن أصاباه جميعا [ ص: 333 ] فذكياه جميعا حل ، وإن ذكاه أحدهما فلا .

                                                                                                          وفي الخلاف : يحل ، واحتج بهذه الرواية . وإن رماه آخر حل إن أصاب مذبحه ، أو الأول مقتله ، وإلا فلا ، وفي حله احتمال في الواضح ، وفي الترغيب : إن أصاب مذبحه ولم يقصد المذبح لم يحل ، وإن قصده فهو ذبح ملك غيره بلا إذنه يحل على الصحيح ، مأخذهما : هل يكفي قصد الذبح أم لا بد من قصد الإحلال ؟ وإن أوحاه بعد إيحاء الأول فالروايتان ومتى حل ضمن الثاني ما خرق من جلده .

                                                                                                          وفي المنتخب : ما نقص بذبحه ، كشاة الغير .

                                                                                                          وفي الترغيب : ما بين بكونه حيا مجروحا وبين كونه مذبوحا ، وإلا قيمته بجرح الأول ، فإن أدرك الأول ذكاته فلم يذكه فمات فهل يضمنه الثاني كذلك ، أو نصف قيمته بجرح الأول ، أو بالجرحين مع أرش جرحه ؟ فيه أوجه ( م 11 ) فلو كانت قيمته عشرة فنقصه كل جرح عشرا لزمه على الأول تسعة ، وعلى [ ص: 334 ] الثاني أربعة ونصف ، وهو أولى ، وعلى الثالث خمسة ، فلو كان عبدا أو شاة للغير ولم يوحياه وسريا تعين الأخيران ولزم الثاني عليهما ذلك ، وكذا الأول على الثالث ، وعلى الثاني بقية قيمته سليما ، وإن أصاباه معا حل ، وهو بينهما ، كذبحه مشتركين ، وكذا واحد بعد واحد ووجداه ميتا وجهل قاتله ، فإن قال الأول : أنا أثبته ثم قتلته أنت فتضمنه لم يحل ، لاتفاقهما على تحريمه ، ويتحالفان ولا ضمان ، فإن قال لم تثبته قبل قوله ، لأن الأصل الامتناع ، ذكر ذلك في المنتخب وفي الترغيب : متى تشاقا في إصابته وصفتها أو احتمل أن إثباته بهما أو بأحدهما لا بعينه فهو بينهما . ولو أن أحدهما لو انفرد أثبته وحده فهو له ، ولا يضمن الآخر ولو أن أحدهما موح واحتمل الآخر احتمل أنه بينهما ، واحتمل أن نصفه للموحي ونصفه الآخر بينهما ، ولو وجد مثبتا موحيا وترتبا وجهل السابق منهما حرم ، وإن ثبت بهما لكن عقب الثاني وترتبا فهل هو للثاني أو بينهما ؟ [ ص: 335 ] يحتمل وجهين ، ونقل ابن الحكم : إن أصاباه جميعا فذكياه جميعا حل ، وإن ذكاه أحدهما فلا ، ومن وقع في شبكته صيد فذهب بها ممتنعا فهو لصائده ثانيا ، نص عليه .

                                                                                                          [ ص: 330 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 330 ] مسألة 7 - 10 ) [ قوله ] : " ومن رمى صيدا فلم يثبته فدخل فيه غيره ، أو وثبت سمكة فوقعت بحجره ، أو دخلت ظبية داره فأغلق بابه وجهلها أو لم يقصد تملكها ، ومثله إحياء أرض بها كنز ، فقيل : يملك . بأخذه ، وقيل : هو مباح " ، انتهى ذكر مسائل :

                                                                                                          ( المسألة الأولى 7 ) إذا رمى صيدا فلم يثبته فدخل خيمة غيره فهل يملكه مطلقا ، أو لا يملكه إلا بأخذه ، أو هو مباح له ولغيره ؟ أطلق الخلاف .

                                                                                                          ( أحدهما ) : يملكه صاحب الخيمة مطلقا ، قال في تصحيح المحرر : هذا المذهب ، انتهى . قال في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة : فهو لصاحب الخيمة ، وقدمه في المحرر والرعايتين والحاويين وغيرهم . [ ص: 331 ]

                                                                                                          ( والوجه الثاني ) : لا يملكه إلا بأخذه ، وهو ظاهر ما قطع به في المغني والمقنع والشرح والنظم والوجيز وغيرهم .

                                                                                                          ( والوجه الثالث ) هو مباح له ولغيره ، وهو قريب من الذي قبله ، وهل الوجه الثاني أنه أحق به ولا يملكه إلا بأخذه وليس لغيره أخذه .

                                                                                                          ( المسألة الثانية 8 ) لو وثبت سمكة فوقعت في حجر إنسان فهل يملكها مطلقا ، أو يأخذها ، أو هي مباحة ؟ أطلق الخلاف :

                                                                                                          ( أحدها ) : يملكها ، وهو الصحيح ، جزم به الخرقي وصاحب الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والمغني والمقنع والهادي والشرح وشرح ابن رزين وابن منجى والوجيز ومنتخب الآدمي ومنوره وتذكرة ابن عبدوس وغيرهم ، وقدمه في المحرر والنظم والرعايتين والحاويين وغيرهم

                                                                                                          ( والقول الثاني ) لا يملكها إلا بأخذها .

                                                                                                          ( والقول الثالث ) هي على الإباحة قبل أخذها .

                                                                                                          ( المسألة الثالثة 9 ) إذا دخلت ظبية داره فأغلق بابه وجهلها أو لم يقصد تملكها ، فهل يملكها بمجرد ذلك ، أو لا بد من تملكها بأخذه ونحوه ، أو هي على الإباحة أطلق الخلاف ، والحكم فيها كالتي قبلها ، خلافا ومذهبا وقد علمت الصحيح من ذلك .

                                                                                                          ( المسألة الرابعة 10 ) : لو أحيا أرضا بها كنز ، فهل يملكه بملك الأرض أو لا يملكه إلا بأخذه ، أو هو على الإباحة ، أطلق الخلاف .

                                                                                                          ( أحدها ) لا يملكه إلا بأخذه ( قلت ) : وهو الصواب ، لأنه لا علم له به .

                                                                                                          ( والوجه الثاني ) يملكه بملك الأرض ، كالمسائل التي قبله .

                                                                                                          ( والقول الثالث ) هو على الإباحة ، وحكاية المصنف هذا القول في هذه المسائل يدل على أنه غير الثاني ، والظاهر أن مراده ملك أن يتملك فله حق التملك في القول الثاني ، وهنا لا ، والله أعلم .

                                                                                                          [ ص: 333 ] تنبيه )

                                                                                                          قوله : وإن أوحاه بعد إيحاء الأول فالروايتان ، انتهى لعله أراد بهما اللتين فيما إذا أوحاه ووقع في ماء ، وقد تقدم الصحيح منهما أول الباب ، ويحتمل أنه أراد ما إذا رماه فأثبته ثم رماه فقتله التي ورد فيها رواية ابن الحكم المتقدمة قريبا ، وقدم في هذه التحريم .

                                                                                                          ( مسألة 11 ) قوله : " فإن أدرك الأول ذكاته فلم يذكه فمات فهل يضمنه الثاني كذلك ، أو نصف قيمته بجرح الأول ، أو بالجرحين مع أرش جرحه ؟ فيه أوجه " ، انتهى . وأطلقها في المحرر والزركشي .

                                                                                                          ( إحداهما ) يضمن الثاني قيمته مجروحا بالجرح الأول ، وهو مراد المصنف بقوله : كذلك ، يعني كالمسألة التي قبلها ، وهو الصحيح ، صححه في تصحيح المحرر ، وقدمه في الرعايتين والحاويين .

                                                                                                          [ ص: 334 ] والقول الثاني ) : يضمن نصف قيمته مجروحا بالجرح الأول لا غير ، اختاره المجد في محرره ، قال المصنف في التمثيل : وهو أولى .

                                                                                                          ( والقول الثالث ) : اختاره القاضي فقال : يضمن نصف قيمته مجروحا ، بالجرحين ، مع أرش ما نقصه بجرحه ، والله أعلم .

                                                                                                          ( تنبيهات ) :

                                                                                                          ( الأول ) قوله : " فلو كان عبدا أو شاة للغير ولم يوحياه وسريا تعين الأخيران " ، انتهى . يعني القولين الآخرين من المسألة التي قبلها ، والصحيح منهما ما اختاره المجد والمصنف .

                                                                                                          ( الثاني ) ما بعد هذه المسألة من إطلاق الاحتمالين والوجهين فمن كلام صاحب الترغيب ، لأنه من الخلاف المطلق الذي اصطلحه المصنف ، والله أعلم




                                                                                                          الخدمات العلمية