الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  400 ( قال ابن عباس رضي الله عنهما : إن وطئت على قذر رطب فاغسله ، وإن كان يابسا فلا ) .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  قال بعضهم : مطابقته للترجمة الإشارة إلى أن العلة في النهي احترام القبلة لا مجرد التأذي بالبزاق ، فلهذا لم يفرق فيه بين رطب ويابس بخلاف ما علة النهي فيه مجرد الاستقذار ، فلا يضر وطء اليابس منه . قلت : هذا تعسف وبعد عظيم ؛ لأن قوله : " العلة في النهي احترام القبلة لا مجرد التأذي بالبزاق " غير موجه ، لأن علة النهي فيه احترام القبلة وحصول التأذي منه كما ذكره في حديث أبي سهلة : " إنك آذيت الله ورسوله " ، وحصول الأذى فيه هو ما ذكره في الحديث : " فإن الله قبل وجهه إذا صلى " ، وبزاقه إلى تلك الجهة أذى كبير وهو من باب ذكر اللازم وإرادة الملزوم ، ومعناه : لا يرضى الله به ، ولا يرضى به رسوله أيضا ، وتأذيه - صلى الله عليه وسلم - من ذلك هو أنه نهاه عنه ولم ينته ، وفيه ما فيه من الأذى ، فعلم من ذلك أن العلة العظمى هي حصول الأذى مع ترك احترام القبلة ، والحكم يثبت بعلل شتى . وقوله : " بخلاف ما علة النهي فيه مجرد الاستقذار ، فلا يضره وطء اليابس " غير صحيح ؛ لأن علة النهي فيه كونه نجسا ولم تسقط عنه صفة النجاسة ، غير أن وطء يابسه لا يضره لعدم التصاقه بالجسم وعدم التلوث لا لمجرد كونه يابسا ، حتى لو صلى على مكان عليه نجس يابس لا تجوز صلاته ، ولو كان على بدنه أو ثوبه نجاسة يابسة لا يجوز أيضا ، فعلم أن النجاسة المائعة تضره مطلقا غير أنه عفا عن يابسها في الوطء ، ويمكن أن يوجه له تناسب بوجهه وهو أن يقال : المذكور في حديث الباب حك النخامة بالحصى ، وفي الترجمة حك المخاط بالحصى ، وذا يدل على أنه كان يابسا إذ الحك لا يفيد في رطبه لأنه ينتشر به ويزداد التلوث ، فظهر الفرق بين رطبه ويابسه وإن لم يصرح به في ظاهر الحديث ، ففي الرطب يزال بما تمكن إزالته به ، وفي اليابس بالحصاة ونحوها ، فكذلك في أثر ابن عباس الفرق حيث قال : إن كان رطبا فاغسله ، وإن كان يابسا فلا ؛ أي : فلا يضرك وطؤه ، فتكون المناسبة بينهما من هذه الحيثية ، وهذا القدر كاف لأنه إقناعي غير برهاني ، ثم إن أثر ابن عباس ذكره البخاري معلقا ووصله ابن أبي شيبة بسند صحيح ، وقال في آخره : وإن كان يابسا لم يضره .



                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية