الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
(الفصل الخامس)

قال السبكي في شرح عقيدة ابن الحاجب: اعلم أن لكل علم موضوعا، ومبادئ، ومسائل; إذ بها تنوعت العلوم وتمايزت في المفهوم، ثم من المعلوم أن الناظرين في هذا الشأن، أعني: علم التوحيد، والباحثين عنه على قسمين:

فمنهم من نظر نظرا عاما في المعلوم من حيث هو معلوم، وإن كان المقصود أولا بالذات العلم بواجب الوجود، ومنهم من نظر نظرا خاصا، وذلك فيما يجب لله ويستحيل عليه ويجوز في أفعاله، وما يوصل إلى ذلك إجمالا وتفصيلا، والعلم الحاصل من الأول هو المسمى بعلم الكلام، والثاني يسمى بعلم العقائد [ ص: 15 ]

وهذا مندرج تحت الأول باندراج الأخص تحت الأعم، ولذلك كانت المطالب التي تحصل من الأول أكثر؛ لشمولها لشؤون الواجب وأحوال الممكن، ولذلك حد هذا العلم بأنه الباحث عن أحوال الواجب، وأحوال الممكنات من حيث المبدأ والمعاد، وما يعم قصدا للتحقيق .

وأما الثاني فلا يحصل منه إلا ما عبدنا باعتقاده فقط، كما في هذه العقيدة، يعني عقيدة ابن الحاجب والنسفية واللمع وغيرها، ويدل على هذا ما اقتصر عليه من ينكر طريق الكلام، كما هو طريق الفقهاء والمحدثين وغيرهم، حيث اقتصروا على تحصيل العقائد من غير نظر في العالم بنظر المتكلم، بل اقتصروا على المبادئ السمعية وما قرب من المبادئ العقلية، ولذلك يحد هذا العلم بأنه العلم بالأحكام الشرعية الاعتقادية عن قاطع عقلي أو سمعي أو وجداني .

فـ"عن قاطع" يخرج التقليد، و"عقلي" يدخل المتكلم، و"سمعي" يدخل المحدث، و"وجداني" يدخل الصوفي. وما حد به المحقق سعد الدين الكلام حيث قال: الكلام هو العلم بالعقائد الدينية عن أدلتها اليقينية، فحد له باعتبار المقصود منه، وإلا فهو مشكل؛ لإمكان ورود منع الجميع .

وإذا تقرر هذا فنقول: لا يكفي في معرفة موضوع هذا العلم، أعني علم العقائد ومسائله ومباديه، معرفة موضوع الكلام ومسائله ومباديه، فلا بد من التعرض لذلك بخصوصه، فموضوع علم العقائد ذات الواجب; إذ الناظر في علم العقائد يبحث عن لواحق الواجب الذاتية، أعني صفاته وأفعاله، وكل ما يبحث في علم عن لواحقه الذاتية فهو موضوع لذلك العلم، لا يقال موضوع العلم لا يتبين وجوده في ذلك العلم، بل في علم آخر، ومن المعلوم أن العلم بوجود الصانع يتبين في هذا العلم، فكيف يكون هذا موضوعه؟ لأنا نقول: نمنع أن موضوع كل علم إنما يتبين وجوده في غيره، ولئن سلمنا ذلك فنمنع أن صانع العالم يتبين وجوده في هذا العلم، بل وجوده بديهي .

والمذكور إنما هو على جهة التنبيه، قال تعالى: أفي الله شك وبهذا قال جماعة من المحققين، كابن البناء في مراسيمه: أو أنه مبين في علم آخر، وهو علم الكلام، الذي هو أوسع وأشمل، كما نبهنا عليه .

وأما مسائله فكل ما جعل الشرع العلم به إيمانا، والجهل به كفرا وابتداعا، وأما مباديه فالقواطع العقلية والسمعية والإدراكات الوجدانية والحسية .

التالي السابق


الخدمات العلمية