الطبقة الرابعة أن يتوب ويجري مدة على الاستقامة ، ثم يعود إلى مقارفة الذنب أو الذنوب من غير أن يحدث نفسه بالتوبة ومن غير أن يتأسف على فعله بل ينهمك انهماك الغافل في اتباع شهواته ، فهذا من جملة المصرين وهذه النفس هي
nindex.php?page=treesubj&link=34268النفس الأمارة بالسوء الفرارة من الخير ، ويخاف على هذا سوء الخاتمة وأمره في مشيئة الله فإن ختم له بالسوء شقي شقاوة لا آخر لها ، وإن ختم له بالحسنى حتى مات على التوحيد ، فينتظر له الخلاص من النار ، ولو بعد حين ولا يستحيل أن يشمله عموم العفو بسبب خفي لا تطلع عليه كما لا يستحل أن يدخل الإنسان خرابا ليجد كنزا فيتفق أن يجده وأن يجلس في البيت ليجعله الله عالما بالعلوم من غير تعلم كما كان الأنبياء صلوات الله عليهم فطلب المغفرة بالطاعات كطلب العلم بالجهد والتكرار وطلب المال ، بالتجارة وركوب البحار ، وطلبها بمجرد الرجاء مع خراب الأعمال كطلب الكنوز في المواضع الخربة ، وطلب العلوم من تعليم الملائكة ، وليت من اجتهد تعلم ، وليت من اتجر استغنى ، وليت من صام وصلى غفر له ، فالناس كلهم محرومون إلا العالمون ، والعالمون كلهم محرومون إلا العاملون والعاملون كلهم محرومون إلا المخلصون والمخلصون على خطر عظيم وكما أن من خرب بيته ، وضيع ماله ، وترك نفسه وعياله جياعا يزعم أنه ينتظر فضل الله بأن يرزقه كنزا يجده تحت الأرض في بيته الخرب يعد عند ذوي البصائر من الحمقى والمغرورين ، وإن كان ما ينتظره غير مستحيل في قدرة الله تعالى وفضله فكذلك ، من
nindex.php?page=treesubj&link=32518ينتظر المغفرة من فضل الله تعالى وهو مقصر عن الطاعة مصر على الذنوب غير سالك سبيل المغفرة يعد عند أرباب القلوب من المعتوهين والعجب من عقل هذا المعتوه وترويجه حماقته في صيغة حسنة إذ يقول : إن الله كريم وجنته ليست تضيق على مثلي ، ومعصيتي ليست تضره ثم تراه يركب البحار ، ويقتحم الأوعار في طلب الدينار ، وإذا قيل له : إن الله كريم ، ودنانير خزائنه ليست تقصر على فقرك وكسلك بترك التجارة ليس يضرك فاجلس في بيتك فعساه يرزقك من حيث لا تحتسب ، فيستحمق قائل هذا الكلام ويستهزئ به ويقول ما هذا الهوس السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة ، وإنما ينال ذلك بالكسب وهكذا قدره مسبب الأسباب وأجرى به سنته ، ولا تبديل لسنة الله ولا يعلم المغرور أن رب الآخرة ورب الدنيا واحد ، وأن سنته لا تبديل لها فيهما جميعا وأنه ، قد أخبر إذ قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=39وأن ليس للإنسان إلا ما سعى فكيف يعتقد أنه كريم في الآخرة ، وليس بكريم في الدنيا ، وكيف يقول : ليس مقتضى الكرم الفتور عن كسب المال ، ومقتضاه الفتور عن العمل للملك لذلك المقيم ، والنعيم الدائم وأن ، ذلك بحكم الكرم يعطيه من غير جهد في الآخرة ، وهذا يمنعه مع شدة الاجتهاد في غالب الأمر في الدنيا ، وينسى قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=22وفي السماء رزقكم وما توعدون فنعوذ بالله من العمى والضلال ، فما هذا إلا انتكاس على أم الرأس ، وانغماس في ظلمات الجهل ، وصاحب هذا جدير بأن يكون داخلا تحت قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=12ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رءوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا أي : أبصرنا أنك صدقت إذ قلت
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=39وأن ليس للإنسان إلا ما سعى فأرجعنا نسعى وعند ذلك لا يمكن من الانقلاب ، ويحق عليه العذاب فنعوذ بالله من دواعي الجهل والشك والارتياب السائق بالضرورة إلى سوء المنقلب والمآب .
الطَّبَقَةُ الرَّابِعَةُ أَنْ يَتُوبَ وَيَجْرِي مُدَّةً عَلَى الِاسْتِقَامَةِ ، ثُمَّ يَعُودُ إِلَى مُقَارَفَةِ الذَّنْبِ أَوِ الذُّنُوبِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُحَدِّثَ نَفْسَهُ بِالتَّوْبَةِ وَمِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَأَسَّفَ عَلَى فِعْلِهِ بَلْ يَنْهَمِكُ انْهِمَاكَ الْغَافِلِ فِي اتِّبَاعِ شَهَوَاتِهِ ، فَهَذَا مِنْ جُمْلَةِ الْمُصِرِّينَ وَهَذِهِ النَّفْسُ هِيَ
nindex.php?page=treesubj&link=34268النَّفْسُ الْأَمَّارَةُ بِالسُّوءِ الْفَرَّارَةُ مِنَ الْخَيْرِ ، وَيُخَافُ عَلَى هَذَا سُوءُ الْخَاتِمَةِ وَأَمْرُهُ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ فَإِنْ خَتَمَ لَهُ بِالسُّوءِ شَقِيَ شَقَاوَةً لَا آخِرَ لَهَا ، وَإِنْ خَتَمَ لَهُ بِالْحُسْنَى حَتَّى مَاتَ عَلَى التَّوْحِيدِ ، فَيُنْتَظَرُ لَهُ الْخَلَاصُ مِنَ النَّارِ ، وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ وَلَا يَسْتَحِيلُ أَنْ يَشْمَلَهُ عُمُومُ الْعَفْوِ بِسَبَبٍ خَفِيٍّ لَا تَطَّلِعُ عَلَيْهِ كَمَا لَا يَسْتَحِلُّ أَنْ يَدْخُلَ الْإِنْسَانُ خَرَابًا لِيَجِدَ كَنْزًا فَيَتَّفِقُ أَنْ يَجِدَهُ وَأَنْ يَجْلِسَ فِي الْبَيْتِ لِيَجْعَلَهُ اللَّهُ عَالِمًا بِالْعُلُومِ مِنْ غَيْرِ تَعَلُّمٍ كَمَا كَانَ الْأَنْبِيَاءُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فَطَلَبُ الْمَغْفِرَةِ بِالطَّاعَاتِ كَطَلَبِ الْعِلْمِ بِالْجُهْدِ وَالتَّكْرَارِ وَطَلَبُ الْمَالِ ، بِالتِّجَارَةِ وَرُكُوبِ الْبِحَارِ ، وَطَلَبُهَا بِمُجَرَّدِ الرَّجَاءِ مَعَ خَرَابِ الْأَعْمَالِ كَطَلَبِ الْكُنُوزِ فِي الْمَوَاضِعِ الْخَرِبَةِ ، وَطَلَبِ الْعُلُومِ مِنْ تَعْلِيمِ الْمَلَائِكَةِ ، وَلَيْتَ مَنِ اجْتَهَدَ تَعَلَّمَ ، وَلَيْتَ مَنِ اتَّجَرَ اسْتَغْنَى ، وَلَيْتَ مَنْ صَامَ وَصَلَّى غُفِرَ لَهُ ، فَالنَّاسُ كُلُّهُمْ مَحْرُومُونَ إِلَّا الْعَالِمُونَ ، وَالْعَالِمُونَ كُلُّهُمْ مَحْرُومُونَ إِلَّا الْعَامِلُونَ وَالْعَامِلُونَ كُلُّهُمْ مَحْرُومُونَ إِلَّا الْمُخْلِصُونَ وَالْمُخْلِصُونَ عَلَى خَطَرٍ عَظِيمٍ وَكَمَا أَنَّ مَنْ خَرَّبَ بَيْتَهُ ، وَضَيَّعَ مَالَهُ ، وَتَرَكَ نَفْسَهُ وَعِيَالَهُ جِيَاعًا يَزْعُمُ أَنَّهُ يَنْتَظِرُ فَضْلَ اللَّهِ بِأَنْ يَرْزُقَهُ كَنْزًا يَجِدُهُ تَحْتَ الْأَرْضِ فِي بَيْتِهِ الْخَرِبِ يُعَدُّ عِنْدَ ذَوِي الْبَصَائِرِ مِنَ الْحَمْقَى وَالْمَغْرُورِينَ ، وَإِنْ كَانَ مَا يَنْتَظِرُهُ غَيْرَ مُسْتَحِيلٍ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَفَضْلِهِ فَكَذَلِكَ ، مَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=32518يَنْتَظِرُ الْمَغْفِرَةَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ مُقَصِّرٌ عَنِ الطَّاعَةِ مُصِرٌّ عَلَى الذُّنُوبِ غَيْرُ سَالِكٍ سَبِيلَ الْمَغْفِرَةِ يُعَدُّ عِنْدَ أَرْبَابِ الْقُلُوبِ مِنَ الْمَعْتُوهِينَ وَالْعَجَبُ مِنْ عَقْلِ هَذَا الْمَعْتُوهِ وَتَرْوِيجِهِ حَمَاقَتَهُ فِي صِيغَةٍ حَسَنَةٍ إِذْ يَقُولُ : إِنَّ اللَّهَ كَرِيمٌ وَجَنَّتُهُ لَيْسَتْ تَضِيقُ عَلَى مِثْلِي ، وَمَعْصِيَتِي لَيْسَتْ تَضُرُّهُ ثُمَّ تَرَاهُ يَرْكَبُ الْبِحَارَ ، وَيَقْتَحِمُ الْأَوْعَارَ فِي طَلَبِ الدِّينَارِ ، وَإِذَا قِيلَ لَهُ : إِنَّ اللَّهَ كَرِيمٌ ، وَدَنَانِيرُ خَزَائِنِهِ لَيْسَتْ تُقَصِّرُ عَلَى فَقْرِكَ وَكَسَلِكَ بِتَرْكِ التِّجَارَةِ لَيْسَ يَضُرُّكَ فَاجْلِسْ فِي بَيْتِكَ فَعَسَاهُ يَرْزُقَكَ مِنْ حَيْثُ لَا تَحْتَسِبُ ، فَيَسْتَحْمِقُ قَائِلَ هَذَا الْكَلَامِ وَيَسْتَهْزِئُ بِهِ وَيَقُولُ مَا هَذَا الْهَوَسُ السَّمَاءُ لَا تُمْطِرُ ذَهَبًا وَلَا فِضَّةً ، وَإِنَّمَا يَنَالُ ذَلِكَ بِالْكَسْبِ وَهَكَذَا قَدَّرَهُ مُسَبِّبُ الْأَسْبَابِ وَأَجْرَى بِهِ سُنَّتَهُ ، وَلَا تَبْدِيلَ لِسُنَّةِ اللَّهِ وَلَا يَعْلَمُ الْمَغْرُورُ أَنَّ رَبَّ الْآخِرَةِ وَرَبَّ الدُّنْيَا وَاحِدٌ ، وَأَنَّ سُنَّتَهُ لَا تَبْدِيلَ لَهَا فِيهِمَا جَمِيعًا وَأَنَّهُ ، قَدْ أَخْبَرَ إِذْ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=39وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى فَكَيْفَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ كَرِيمٌ فِي الْآخِرَةِ ، وَلَيْسَ بِكَرِيمٍ فِي الدُّنْيَا ، وَكَيْفَ يَقُولُ : لَيْسَ مُقْتَضَى الْكَرَمِ الْفُتُورَ عَنْ كَسْبِ الْمَالِ ، وَمُقْتَضَاهُ الْفُتُورُ عَنِ الْعَمَلِ لِلْمُلْكِ لِذَلِكَ الْمُقِيمِ ، وَالنَّعِيمِ الدَّائِمِ وَأَنَّ ، ذَلِكَ بِحُكْمِ الْكَرَمِ يُعْطِيهِ مِنْ غَيْرِ جُهْدٍ فِي الْآخِرَةِ ، وَهَذَا يَمْنَعُهُ مَعَ شِدَّةِ الِاجْتِهَادِ فِي غَالِبِ الْأَمْرِ فِي الدُّنْيَا ، وَيَنْسَى قَوْلَهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=22وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ فَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْعَمَى وَالضَّلَالِ ، فَمَا هَذَا إِلَّا انْتِكَاسٌ عَلَى أُمِّ الرَّأْسِ ، وَانْغِمَاسٌ فِي ظُلُمَاتِ الْجَهْلِ ، وَصَاحِبُ هَذَا جَدِيرٌ بِأَنْ يَكُونَ دَاخِلًا تَحْتَ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=12وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا أَيْ : أَبْصَرْنَا أَنَّكَ صَدَّقْتَ إِذْ قُلْتَ
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=39وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى فَأَرْجِعْنَا نَسْعَى وَعِنْدَ ذَلِكَ لَا يُمَكَّنُ مِنَ الِانْقِلَابِ ، وَيَحِقُّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ فَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ دَوَاعِي الْجَهْلِ وَالشَّكِّ وَالِارْتِيَابِ السَّائِقِ بِالضَّرُورَةِ إِلَى سُوءِ الْمُنْقَلَبِ وَالْمَآبِ .