الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومن ادعى أن ما كان وجوده بنفسه لا يكون إلا وجودا مجردا وذاتا مجردة لأن الذات الموصوفة مفتقرة إلى الصفة فلا تكون موجودة بنفسها.

قيل له: الممكنات والمحدثات لم تفتقر إلى ذات مجردة حتى يقال: إذا قيل إنها موصوفة لزم الافتقار، بل افتقرت إلى ما هو خارج عنها كلها.

والتعبير عن هذا المعنى يكون بعبارات، فإذا قيل: ما لا يقبل العدم، أو قيل: موجود بنفسه أو واجب الوجود بنفسه ونحو ذلك، كان المقصود واحدا. ومن المعلوم أن ما لا يقبل العدم، إذا كان ذاتا [ ص: 423 ] موصوفة بصفات الكمال، لم يجز أن يقال: اتصافها بصفات الكمال يوجب افتقارها إلى الصفات فتقبل العدم، فإن فساد هذا الكلام ظاهر، وهو بمنزلة أن يقال: قولكم: موجود بنفسه أو واجب الوجود بنفسه، يقتضي افتقاره إلى نفسه، والمفتقر لا يكون واجب الوجود بنفسه، بل يكون قابلا للعدم، وإذا كان هذا فاسدا فالأول أفسد، فإن صفات كماله داخلة في مسمى نفسه، فإذا كان قول القائل: هو مفتقر إلى نفسه لا يمنع وجوب وجوده، فقوله: إنه مفتقر إلى صفاته أولى أن لا يمنع وجوب وجوده.

وكذلك إذا سمى ذلك أجزاء وقال: هو مفتقر إلى أجزائه، فإن جزء الشيء وبعضه وصفته ونحو ذلك داخل في مسمى نفسه، فإذا لم يكن قول القائل: هو مفتقر إلى نفسه مانعا من وجوب وجوده، فقوله: هو مفتقر إلى جزئه وصفته ونحو ذلك أولى، وتسمية مثل هذا افتقارا لفظ فيه تلبس وتدليس يشعر الجاهل بفقره، وهذا كما لو قيل: هو غني بنفسه فإنه قد يقول القائل: فهو فقير إلى نفسه، فصفاته داخلة في مسمى نفسه، وهو غني سبحانه بنفسه عن كل ما سواه، وكل ما سواه فقير إليه.

وهذه المعاني مبسوطة في غير هذا الموضع، وقد قال ابن رشد: هذا الذي يعير على من قال بنفي تعدد الصفات هو أن تكون [ ص: 424 ] الصفات المختلفة ترجع إلى ذات واحدة، حتى يكون مفهوم العلم مثلا والإرادة والقدرة مفهوما واحدا، وأنها ذات واحدة، وأن يكون أيضا العلم والعالم، والقدرة والقادر، والإرادة والمريد، معنى واحدا، والذي يعير على من قال: إن ههنا ذاتا وصفات زائدة على الذات أن تكون الذات شرطا في وجود الصفات، والصفات شرطا في كمال الذات، ويكون المجموع من ذلك شيئا واجب الوجود، أي: موجودا واحدا ليس فيه علة ولا معلول.

قال: «لكن هذا لا جواب عنه في الحقيقة، إذا وضع أن ههنا شيئا واجب الوجود بذاته، فإنه يجب أن يكون واحدا من جميع الوجوه وغير مركب أصلا، لا من شرط ومشروط، ولا من علة ومعلول، لأن كل موجود بهذه الصفة: فإما أن يكون تركيبه واجبا، وإما أن يكون ممكنا، فإن كان واجبا، كان واجبا بغيره لا بذاته، لأنه يعسر إنزال مركب قديم من ذاته، أعني من غير أن يكون له مركب، وبخاصة على قول من أنزل أن كل عرض حادث، لأن التركيب فيه يكون عرضا قديما، وإن كان ممكنا فهو محتاج إلى ما يوجب اقتران العلة بالمعلول».

التالي السابق


الخدمات العلمية