الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وذكر سبحانه الراقي دون الطبيب الذي يسقي الدواء ونحوه ؛ لأن تعلق النفوس بالرقى أعظم ، ولهذا قال فيصفة المتوكلين : «هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون ، وعلى ربهم يتوكلون » . والروح إذا بلغت التراقي قد يتعذر عليها الطعام والشراب ، فلا يبقى إلا ما تتعلق به من الاسترقاء والدعاء ونحوه ، وكان ذلك أعظم الأسباب .

قال تعالى : والتفت الساق بالساق ، قال الوالبي في تفسيره عن ابن عباس في قوله : والتفت الساق بالساق يقول : آخر يوم من الدنيا وأول يوم من الآخرة ، فتلتقي الشدة بالشدة إلا من رحم الله .

وروى ابن المنذر من حديث سلمة بن سابور عن عطية عن ابن [ ص: 121 ] عباس : والتفت الساق بالساق ، قال : الدنيا بالآخرة ، وكذلك قال الضحاك .

وعن ابن جريج عن مجاهد في قوله : والتفت الساق بالساق أمر الدنيا بأمر الآخرة ، وإنما لزوم الأمر عند الموت .

ومن حديث حماد بن سلمة عن كثير بن زياد عن الحسن في قول الله : والتفت الساق بالساق قال : ساق الآخرة وساق الدنيا ، أما سمعتم الشاعر يقول :


قد قامت الحرب بنا على ساق



قد تبين الفتح لمن هو ؟

وعن معمر عن قتادة في قوله : والتفت الساق بالساق قال : الساق للدنيا بساق الآخرة .

وعن أبي عبيدة : والتفت الساق بالساق قال : مثل شمرت عن ساقها . [ ص: 122 ]

وفيها قول ثان عن بشير قال سألت الحسن ، قلت : أرأيت قول الله : والتفت الساق بالساق الآية ، قال : هما ساقاك إذا التفتا .

ومن حديث سعيد عن قتادة : والتفت الساق بالساق قال : أما رأيت إذا حضر ضرب برجله رجله الأخرى .

ومن حديث شيبان عن قتادة : والتفت الساق بالساق : ماتت ساقاه فلم تحملاه ، وقد كان عليهما جوالا .

وعن داود بن أبي هند عن الشعبي في قول الله : والتفت الساق بالساق ، قال : ساقا الميت .

وقد يقال : الآية تعم المعنيين جميعا .

إلى ربك يومئذ المساق قال ابن ثور عن ابن جريج في قوله : إلى ربك يومئذ المساق قال : في الآخرة .

وقوله : «في الآخرة » لا يمنع أن يكون عند الرب ، كما قال من قال : التفت ساق الدينا بساق الآخرة ، وهو بالموت . كما قال تعالى : حتى إذا [ ص: 123 ] جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق [الأنعام :61 - 62] . وقد دخل عثمان على ابن مسعود في مرضه ، فقال : كيف تجدك ؟ فقال : أجدني مردودا إلى الله مولاي الحق .

وقال تعالى : قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون [السجدة :11] ، وقال تعالى : يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي [الفجر :27 - 30] . وهذا الرد والرجوع مساقها إلى الله ، وهو هذا المعاد الذي يكون عند الموت . وقول المسترجع : «إنا لله وإنا إليه راجعون » يعم هذا وغيره . وهذا هو التوفي ، كما قال تعالى : الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت [الزمر :42] ، وقال تعالى : قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون [السجدة :11] .

وقوله تعالى : إن إلى ربك الرجعى [العلق :8] ، و إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه [الانشقاق :6] ونحو ذلك يتناول هذا وهذا .

وأول ما أنزل الله على رسوله سورة «اقرأ » ، ذكر فيها الإيمان بالله واليوم الآخر ، وذكر فيها حال الإنسان بين مبدئه ومعاده المذموم وحاله الممدوح ، فذكر حال الأشقياء والسعداء ، إذ قوله : اقرأ باسم ربك الذي [ ص: 124 ] خلق إلى قوله : الأكرم [العلق :1 - 3] تقرير للخلق والربوبية ، كما بيناه في غير هذا الموضع . وقوله : إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى [العلق :6 - 7] ، وهو لحاله المذموم ، وقوله : إن إلى ربك الرجعى ذكر للمعاد ، وما بعد ذلك ذكر حال المؤمن وحاله مع الكافر .

التالي السابق


الخدمات العلمية