الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وهذه فوائد لم تكن تحصل بدون إدخال هذا الفصل ، والله سبحانه وتبارك وتعالى أعلم .

وأما قوله تبارك وتعالى : أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون [المؤمنون :35] ، فأعاد أنكم .

فقد قيل : أصل الكلام : أيعدكم أنكم مخرجون إذا متم وكنتم ترابا وعظاما .

فإنه لو قال : أيعدكم أنكم إذا كنتم ترابا وعظاما ، لطال الفصل بين أن واسمها وخبرها ، فأعاد أن لتقع على الخبر .

ونظير هذا قوله سبحانه وتعالى : ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم خالدا فيها [التوبة :63] ، لما طال الكلام أعاد أن ، هذا قول الزجاج وطائفة .

وأحسن من هذا أن يقال : إن كل واحد من هاتين الجملتين جملة شرطية مركبة من جملتين خبريتين ، فأكدت الجملة الشرطية بأن ، [ ص: 353 ] على حد تأكيدها في قول الشاعر :


إن من يدخل الكنيسة يوما . . . يلق فيها جآذرا وظباءا



ثم أكدت الجملة الخبرية بأن إذ هي المقصودة ، على حد تأكيدها في قوله سبحانه وتعالى : والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر المصلحين [الأعراف :170] .

ونظير الجمع بين تأكيد الجملة الكبرى المركبة من الشرط والجزاء قوله تبارك وتعالى : إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين [يوسف :90] ، ولا يقال في هذا : «إن » أعيدت لطول الكلام .

ونظيره قوله سبحانه وتعالى : إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيا [طه :74] .

ونظيره قوله تبارك وتعالى : أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم [الأنعام :54] ، فهما تأكيدان [ ص: 354 ] مقصودان لمعنيين مختلفين ، ألا ترى أن تأكيد قوله تعالى : غفور رحيم بأن ، غير تأكيد «من عمل سوءا بجهالة فأنه غفور رحيم » له بأن ، وهذا ظاهر لا خفاء به ، وهو كثير في القرآن وكلام العرب .

وأما قوله سبحانه وتعالى : وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين [آل عمران :147] .

فهذا ليس من التكرار في شيء ، فإن «قولهم » خبر كان قدم على اسمها ، و «أن قالوا » في تأويل المصدر ، وهو الاسم ، فهما اسم كان وخبرها ، والمعنى : وما كان لهم قول إلا قول : ربنا اغفر لنا ذنوبنا .

ونظير هذا قوله سبحانه وتعالى : وما كان جواب قومه إلا أن قالوا [الأعراف :82] ، والجواب قول ، وتقول : ما لفلان قول إلا قول : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، فلا تكرار أصلا .

التالي السابق


الخدمات العلمية