الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 38 ] فصل : والمضاربة من العقود الجائزة ، تنفسخ بفسخ أحدهما ، أيهما كان ، وبموته ، وجنونه ، والحجر عليه لسفه ; لأنه متصرف في مال غيره بإذنه ، فهو كالوكيل . ولا فرق بين ما قبل التصرف وبعده . فإذا انفسخت والمال ناض لا ربح فيه ، أخذه ربه ، وإن كان فيه ربح ، قسما الربح على ما شرطاه . وإن انفسخت والمال عرض ، فاتفقا على بيعه أو قسمه ، جاز ; لأن الحق لهما ، لا يعدوهما . وإن طلب العامل البيع ، وأبى ، رب المال ، وقد ظهر في المال ربح ، أجبر رب المال على البيع . وهو قول إسحاق والثوري لأن حق العامل في الربح ، ولا يظهر إلا بالبيع .

                                                                                                                                            وإن لم يظهر ربح ، لم يجبر ; لأنه لا حق له فيه ، وقد رضيه مالكه كذلك فلم يجبر على بيعه . وهذا ظاهر مذهب الشافعي . وقال بعضهم : فيه وجه آخر ، أنه يجبر على البيع ; لأنه ربما زاد فيه زائد ، أو رغب فيه راغب ، فزاد على ثمن المثل ، فيكون للعامل في البيع حظ .

                                                                                                                                            ولنا ، أن المضارب إنما استحق الربح إلى حين الفسخ ، وذلك لا يعلم إلا بالتقويم ، ألا ترى أن المستعير إذا غرس أو بنى ، أو المشتري ، كان للمعير والشفيع أن يدفعا قيمة ذلك ، لأنه مستحق للأرض ، فهاهنا أولى .

                                                                                                                                            وما ذكروه من احتمال الزيادة ، بزيادة مزايد أو راغب على قيمته ، فإنما حدث ذلك بعد فسخ العقد ، فلا يستحقها العامل . وإن طلب رب المال البيع ، وأبى العامل ، ففيه وجهان : أحدهما ، يجبر العامل على البيع . وهو قول الشافعي ; لأن عليه رد المال ناضا كما أخذه . والثاني ، لا يجبر إذا لم يكن في المال ربح ، أو أسقط حقه من الربح ; لأنه بالفسخ زال تصرفه ، وصار أجنبيا من المال ، فأشبه الوكيل إذا اشترى ما يستحق رده ، فزالت وكالته قبل رده .

                                                                                                                                            ولو كان رأس المال دنانير ، فصار دراهم ، أو دراهم ، فصار دنانير ، فهو كما لو كان عرضا ، على ما شرح . وإذا نض رأس المال جميعه ، لم يلزم العامل أن ينض له الباقي ; لأنه شركة بينهما ، ولا يلزم الشريك أن ينض مال شريكه ، ولأنه إنما لزمه أن ينض رأس المال ، ليرد إليه رأس ماله على صفته ، ولا يوجد هذا المعنى في الربح .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية