الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                [ ص: 126 ] خاتمة :

                الإجماع إما نطقي من الكل ، أو سكوتي ، وكلاهما تواتر ، أو آحاد ، والكل حجة ، ومراتبها متفاوتة .

                فأقواها : النطقي تواترا ، ثم آحادا ، ثم السكوتي كذلك فيهما .

                وقيل : لا يثبت الإجماع بخبر الواحد ، لأنه ظني ، فلا يثبت قاطعا .

                لنا : نقل الخبر الظني موجب للعمل ، فنقل الإجماع القطعي أولى ، ولأن الظن متبع في الشرع ، وهو حاصل بما ذكرنا ، ثم مستند الإجماع بالجملة ظني ، إذ هو ظواهر النص .

                التالي السابق


                " خاتمة " يعني لكتاب الإجماع .

                قوله : " الإجماع إما نطقي " إلى آخره . هذا ذكر لأقسام الإجماع .

                وتقريره : أن " الإجماع إما نطقي ، أو سكوتي " وكل واحد منهما : إما " تواتر أو آحاد " .

                فالنطقي : ما كان اتفاق مجتهدي الأمة جميعهم عليه نطقا ، بمعنى أن كل واحد منهم نطق بصريح الحكم في الواقعة ، نفيا أو إثباتا . وهذا معنى قوله : " إما نطقي من الكل " .

                والسكوتي : ما نطق به البعض ، وسكت البعض . وقد سبق مع تفصيل فيه ، وكل واحد من هذين إما أن ينقل تواترا أو آحادا ، أي : ينقل بالتواتر أو [ ص: 127 ] الآحاد أن جميع المجتهدين نطقوا بصريح الحكم ، أو ينقل بالتواتر أو الآحاد أن بعض المجتهدين أفتى ، وبعضهم سكت . هذه القسمة التي وقع عليها الاختيار .

                أما الشيخ أبو محمد ، فقال : الإجماع إما مقطوع أو مظنون ، فالمقطوع ما وجد فيه جميع الشروط التي لا يختلف فيه مع وجودها ، ونقل تواترا ، والمظنون ما اختل فيه أحد القيدين ، بأن يوجد على وجه مختلف فيه متواترا ، ومتفقا عليه آحادا .

                مثال المختلف فيه : أن يتفق أهل العصر الثاني على أحد قولي أهل العصر الأول ، أو يؤخذ بقول البعض وسكوت البعض ، أو يوجد الاتفاق في بعض العصر ، ولم ينقرض حتى خولف ، أو يجمع الصحابة بدون التابعي المعاصر ، وبالجملة فكل إجماع غير إجماع الصحابة مختلف فيه ، والخلاف فيه مع الظاهرية كما سبق .

                ومثال المتفق عليه آحادا : أن ينقل إجماع الصحابة بشروطه المتفق عليها بطريق الآحاد .

                قوله : " والكل حجة " أي : أقسام الإجماع الأربعة التي ذكرناها حجة ، لتناول دليل الإجماع العام ، وأدلته الخاصة لها .

                قوله : " ومراتبها " أي : مراتب أقسام الإجماع " متفاوتة " في القوة والضعف ، وأقواها النطقي المتواتر ، ثم النطقي المنقول آحادا ، لضعف الآحاد عن التواتر ، ثم السكوتي المتواتر ، ثم السكوتي المنقول آحادا .

                [ ص: 128 ] وهذا معنى قوله : " ثم السكوتي كذلك فيهما " أي : في تقديم تواتره على آحاده ، وإنما أخر السكوتي عن النطقي لقوته ، وضعف السكوتي عنه ضعف الآحاد عن التواتر . فهذه أربع مراتب ، طرفان وواسطتان ، لأنها إما نطقي متواتر ، أو سكوتي آحاد ، هذان طرفان ، في كل واحد منهما جهتا قوة أو ضعف ، أو نطقي آحاد ، أو سكوتي متواتر ، هذان واسطتان ، في كل واحدة منهما جهة قوة وجهة ضعف ، وذلك ظاهر ، فإن أردنا الترجيح بين الواسطتين ، فالنطقي الآحاد أولى بالرجحان ، لأن الاحتمالات القادحة في السكوتي أكثر وأقوى منها في الآحاد .

                قوله : " وقيل : لا يثبت الإجماع بخبر الواحد " .

                اعلم أن العلماء اختلفوا في ثبوت الإجماع بخبر الواحد .

                قال الآمدي : فأجازه الحنابلة ، وبعض الشافعية ، وبعض الحنفية ، وأنكره الباقون .

                وقال القرافي : الإجماع المروي بأخبار الآحاد حجة ، يعني عند مالك ، خلافا لأكثر الناس .

                قلت : احتج المانعون بأنه - يعني خبر الواحد - " ظني " أي : إنما يفيد الظن : " فلا يثبت قاطعا " وهو الإجماع ، وحاصله أن الإجماع قاطع ، وخبر الواحد ظني ، فلا يثبت القاطع بالظني ، لأن الضعيف لا يكون مستندا للقوي .

                قوله : " لنا : " أي : على أن الإجماع المروي آحادا حجة وجهان :

                أحدهما : أن " نقل الخبر الظني " آحادا يوجب العمل " فنقل الإجماع القطعي " آحادا " أولى " أن يوجب العمل ، لأن الظن واقع في ذات خبر الواحد [ ص: 129 ] وطريقه ، والإجماع إنما وقع الظن في طريقه لا في ذاته ، وإذا وجب العمل بالأول ، كان بالثاني أوجب .

                الوجه الثاني : أن " الظن متبع في الشرع " وهو مناط العمل ، كما تقرر في غير موضع " وهو - يعني الظن - حاصل بما ذكرنا " يعني الإجماع المنقول آحادا .

                قوله : " ثم مستند الإجماع بالجملة ظني " إلى آخره . هذا جواب عن قولهم : " لأنه ظني ، فلا يثبت قاطعا " .

                وتقريره : أن مستند الإجماع العام بالجملة ظني ، لأن مستنده ظواهر النصوص ، وأخبار الآحاد ضعيفة الدلالة ، أو السند ، أو هما ، فلئن ضعف خبر الواحد عن أن يكون مستندا للقاطع ، فلتضعف هذه الظواهر أن تكون مستندا للقاطع ، ويلزم من ذلك تعطيل الإجماع من أصله .

                وأيضا فإن قول النبي - صلى الله عليه وسلم - دليل قاطع في حق من شافهه به ، كما أن الإجماع في نفسه قاطع ، ثم إن قول النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا نقل آحادا ، كان حجة ; كذلك الإجماع إذا نقل آحادا ، كان حجة ، ولا فرق .

                ومما احتج به المانعون : أن إجماع الأمة من الوقائع العظيمة التي تتوفر الدواعي على نقلها ; بخلاف وقائع أخبار الآحاد ، فحيث لم ينقل [ ص: 130 ] إجماعهم إلا آحادا ، دل على وهاء ذلك النقل ; وأنه لا أصل له .

                وأجيب عنه : بأن خبر الواحد فيما تعم به البلوى مما تتوفر الدواعي على نقله ، والصحيح قبوله برواية الآحاد ، وهو ينقض الاستدلال المذكور .

                وللخصم أن يفرق بينهما ; بأن توفر الدواعي على نقل الإجماع أشد منه على نقل ما تعم به البلوى من الأخبار قطعا ، فاحتمل فيه من القول آحادا ما لا يحتمل في الإجماع .

                قال الآمدي : المسألة دائرة على وجوب اشتراط القاطع في الأصول ، وعدم اشتراطه .

                قلت : يعني : أنه إن اشترط القاطع في مسائل الأصول ، لم يقبل الإجماع المنقول آحادا ، وإلا قبل ، وهو صحيح . وقد ظهر ذلك من إيراد الدليل من الجانبين .




                الخدمات العلمية