الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
[ ص: 133 ] باب الوصية بالعتق والمحاباة

( قال رحمه الله ) : وإذا باع الرجل في مرضه عبدا من رجل بألف درهم ، وقيمته ألفان ثم أعتق عبدا له آخر يساوي ألف درهم ، ولا مال له غيره فالمحاباة أولى من العتق في قول أبي حنيفة ، وقد بينا هذه المسألة في الوصايا ، وعند أبي حنيفة رحمه الله للمحاباة قوة من حيث السبب ، وهو أن سببه عقد الضمان ، وللعتق قوة من حيث الحكم ، وهو أنه لا يحتمل الرد فإذا بدأ بالمحاباة كانت مقدمة في الثلث ، وإذا بدأ بالعتق تحاصا فيه ، وعند أبي يوسف ومحمد العتق أولى على كل حال فعندهما يعتق العبد مجانا ; لأن قيمته بقدر الثلث فيخير المشتري فإن شاء نقض البيع ، ورد العبد لما لزمه من الزيادة في الثمن ، ولم يرض به ، وإن شاء نقض العقد ، وأدى كمال قيمة العبد ألفي درهم ، وعند أبي حنيفة المحاباة أولى ; لأنه بدأ بها فيسلم العبد للمشتري بالألف ، ولم يبق من الثلث شيء ; لأن العتق لا يمكن رده فيسعى العبد في قيمته للورثة فإن كان قيمة المعتق ألفا وخمسمائة فعلى قول أبي حنيفة يبدأ بالمحاباة كما بينا ثم يسلم للمعتق باقي الثلث من قيمته ، وهو مائة وستة وستون وثلثان ; لأن جملة المال ثلاثة آلاف وخمسمائة ، وقد سلم للمشتري بالمحاباة مقدار ذلك ألف فيسلم للعبد ما بقي من الثلث ، وعندهما العتق مقدم فيسلم للعبد مقدار الثلث ، ويسعى فيما بقي ، وهو ثلثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث ، ويخير المشتري كما بينا فإن مات العبد قبل أن يؤدي شيئا فالمشتري بالخيار في قول أبي حنيفة رحمه الله إن شاء أخذ العبد بألف وثلثمائة وثلاثة وثلاثين وثلث ، وإن شاء نقض البيع ; لأن العبد ما كان يسلم له من الوصية شيء قبل سلامة المحاباة للمشتري ، وقد هلك فصار كأن لم يكن ، وإنما المال في الحاصل ألف درهم فيسلم للمشتري من المحاباة بقدر ثلث المال وثلث الألفين ثلثا ألف فعليه أن يؤدي ما زاد على ذلك ، ويتخير ; لأنه لزمه زيادة في الثمن ، ولم يرض بالالتزام .

وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله العتق مقدم فالعبد فيما مر مستوف لوصيته ، ويتخير المشتري بين أن يغرم كمال قيمة العبد المعتق ألف درهم ، وعلى قول أبي حنيفة رحمه الله يتحاصان في الثلث ، والمحاباة مثل قيمة العبد فيكون الثلث بينهما نصفين فيعتق نصف العبد ، ويسعى في نصف قيمته ، ويأخذ المشتري عبده بألف وخمسمائة ; لأن السالم له من المحاباة بقدر نصف الثلث ، ويخير المشتري لما لزمه من الزيادة في الثمن فإن اختار فسخ البيع عتق العبد كله ، وبطلت عنه السعاية ; لأن الوصية بالمحاباة كانت في ضمن البيع فتبطل ببطلان البيع ، وببطلانها ينعدم مزاحمة المشتري مع العبد في الثلث فيعتق العبد كله من الثلث ، وإن اختار المشتري أخذ العبد بألف وخمسمائة ثم مات [ ص: 134 ] العبد المعتق قبل أن يؤدي شيئا فالمشتري بالخيار إن شاء أخذ العبد بألف وستمائة ، وإن شاء تركه ; لأن العبد مات مستوفيا لوصيته ، وتوى ما عليه من السعاية ، وذلك خمسمائة فيكون ضرر التوى على المشتري ، وعلى الورثة بعد حقهما خمسه على المشتري ، وذلك مائة درهم ونصف ، وإن شئت قلت الباقي ، وهو ألفا درهم مقسوم بين المشتري والورثة أخماسا ; لأن المشتري يضرب فيه بنصف الثلث ، والورثة بالثلثين فإنما يسلم للمشتري بالمحاباة خمس ذلك ، وهو أربعمائة فعليه أن يؤدي ألفا وستمائة ، وقد تبين أن السالم للعبد الميت مثل ذلك ، وهو أربعمائة فيكون جملة ذلك ألفين وأربعمائة نفذنا الوصية لهما في ثلث ذلك ، وهو ثمانمائة لكل واحد منهما في أربعمائة ، ولو أعتق ثم حابى ثم أعتق تخلص المعتق الأول ، والمشتري في الثلث ; لأن العتق الثاني انفرد عن المحاباة فلا يزاحمهما ، والعتق الأول مقدم على المحاباة فيزاحمهما في الثلث ثم ما أصاب المعتق الأول يشاركه فيه المعتق الآخر للمجانسة ، والمساواة بينهما ، وإذا كان الثاني محجوبا بصاحب المحاباة فإذا استوفى هو حقه خرج من البين فإن قيل كيف يستقيم هذا ، ولم يصل إلى صاحب المحاباة كمال حقه فما يأخذه صاحب العتق الثاني يسترده منه صاحب المحاباة ; لأن حقه مقدم على حقه قلنا لا كذلك فإنه لو استرد ذلك منه المعتق الأول لكان حقهما في الثلث سواء ثم يؤدي إلى وقت لا ينقطع ، والسبيل في الدور أن يقطع فإن نقض صاحب المحاباة البيع لما لزمه من زيادة الثمن كان الثلث بين المعتق نصفين لاستواء حقهما فإن عند المجانسة المتقدم والمتأخر سواء ; لأنهما قد جمعهما حالة واحدة ، وهي حالة المرض .

التالي السابق


الخدمات العلمية