الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الظاهرة الغربية في الوعي الحضاري (أنموذج مالك بن نبي)

بدران بن مسعود بن الحسن

المقدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد;

فلقد مثلت العلاقة بالغرب في خطاب التجديد الإسلامي محورا مهما، ويكاد الغرب يكون عاملا حاضرا في كل الخطابات الإسلامية منذ الغزو الاستعماري للعالم الإسلامي في القرن التاسع عشر، وكانت الدراسات الإسلامية (للظاهرة الغربية ) لم تتجاوز في أغلبها النظرة الحدية التي اتسمت بها ثقافة رجل ما بعد الموحدين [1] فالغرب إما طاهر مقدس، وإما دنس حقير. كما لم تتجاوز في معظمها خطاب التحذير والتعبئة.. وتناول كثير من المفكرين الظواهر المصاحبة للهيمنة الغربية على العالم بشيء من الاجتزاء والقصور. [ ص: 41 ]

غير أن هناك بعض المحاولات المبكرة في الفكر الإسلامي المعاصر، حاولت أن تؤسس لخطاب علمي يتجه إلى البحث في عمق الظاهرة، وتتبع جذورها وصيرورتها، وآثارها وانعكاساتها على الواقع الإسلامي، كما اتجهت إلى دراسة التجربة الحضارية الغربية في خصائصها، ومدى إسهاماتها في الحضارة الإنسانية وآثارها عليها، مما أفرز توجهات ومؤسسات أكاديمية إسلامية كثيرة، تحاول أن تجعل من دراسة الغرب في حضارته وثقافته حقلا معرفيا، تدرس من خلاله التطور التاريخي للحضارة الغربية، وكيفية تشكل المفاهيم الغربية في ارتباطها مع الوعي الغربي، وانضوائها في نسق معرفي وحضاري عام للحضارة الغربية، وذلك من منظور حضاري إسلامي يحيط بالمشكلة ويحللها ويدرسها، ثم يقدم التصورات والحلول العلمية والعملية لمسألة التخلف الحضاري في العالم الإسلامي، باعتبار غياب الحضارة الإسلامية الفاعلة هي المشكلة المركزية التي يتخبط فيها العالم الإسلامي. [ ص: 42 ]

ومهمة مثل هذه تحتاج إلى تراكم الخبرات المعرفية، سواء عن طريق البحث في جوانب من الظاهرة الحضارية الغربية في صلتها بالمشكلة الإسلامية، أو في نقد الرؤى والتصورات والأطروحات التي قام بها رواد الفكر الإسلامي في هذا المجال، وذلك لضمان التواصل العلمي، وتأسيس تقاليد علمية تتجاوز نطاق التجارب الفردية المعزولة عن بعضها، وتتحول إلى حقـل معرفي للدراسـات المتخصصة التي تركز بحثـها في الغرب، لفهمه، وفهم أنساقه الثقافية والمعرفية، وأنماط حياته، وتقديم خلاصة علمية للاستفادة منها في تحقيق الخروج من حالة التخلف والتراوح والتبطل التي تعاني منها أمتنا الإسلامية.

وفي هذا الإطار نحاول أن ندرس أحد النماذج الإسلامية فيما يتعلق بدراسة الظاهرة الحضارية عموما، والظاهرة الغربية بوجه خاص، ومدى صلتها بالوعي الإسلامي، وصلتها بالمشكلة الحضارية في العالم الإسلامي. [ ص: 43 ]

ولهذا اخترنا ( مالك بن نبي ) رحمه الله، باعتباره إحدى العينات التي تعطينا من خلال دراستها مدى التطور الذي بلغه الفكر الإسلامي في معالجة مثل هذه المسائل.. والغاية من ذلك هي تعميق الوعي، وتأسيسه على قواعد بينة، وإعطاؤه مداه الواسع، لنتمكن من تحديد موقع الظاهرة الحضارية الغربية في مشروعنا التجديدي، في سبيل تحقيق العودة إلى التاريخ وبناء الحضارة الإسلامية من جديد لتمارس أمتنا دورها في القيادة والشهادة.

والله من وراء القصد، وهو الهادي إلى سواء السبيل. [ ص: 44 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية