الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              - دراسة التاريخ

              درس عمر فروخ ، رحمه الله، التاريخ، وحرص على إرشاد الدارسين له إلى أن دراسة التاريخ تقوم على أحد الأسس التالية:

              1- إما أن يتناول الدارس تاريخ الحقبة التي يأخذ نفسه بدراستها بالتفصيل، وحينئذ لا يستطيع أن يدرس إلا جزءا يسيرا من تلك الحقبة، ثم لا تكون دراسته أكثر من الإلمام بتفاصيل لا فائدة منها؛ لأن تلك التفاصيل لا يمكن أن تبرز الصورة الصحيحة لعصر من العصور، ولا لقطر من الأقطار. ثم إن التاريخ ليس «ثبتا» بالحوادث المفردة حتى يستفرغ المؤرخ جهده في استقصاء الحوادث وفي تحشيتها بالتفاصيل.

              2- وإما أن يتناول المؤرخ «كبار الحوادث مجردة» وهذا شيء لا فائدة منه أيضا؛ لأن المؤرخ لن يستطيع أن يدرس حينئذ إلا الحوادث المشهورة من تلك التي وجب أن يكون كل إنسان مثقف قد مر بـها في المدارس الثانوية أو في معارج الحياة. وإذا جاءت الحوادث مجردة متقطعة، لا يجمع بينها تعليل للأسباب، ولا تنسيق للنتائج، ولا تبيان لأثرها كلها في حاضر الأمة، التي نؤرخ حياتها وفي مستقبلها، لم يكن ذلك الذي يسرده المؤرخ تاريخا.

              3-الأساس الثالث (وهو الذي اصطفاه) وهو أن يتناول المؤرخ «أمهات الحوادث» التي تترك على وجه التاريخ أثرا ظاهرا، وفي حياة الأمم أثرا باقيا، [ ص: 131 ] ثـم لا يكتفي بسـردها بل يعللها تعليلا اجتماعيا يشمل نواحي الحياة المختلفة ما أمكن [1] .

              ويفصل هـذا الجانب بأن تعليل التاريخ يحتاج إلى جرأة، ولكن إلى جرأة مبنية على الإحاطة بالموضوع المدروس، وإلى التجرد عن الأهواء عند البحث، وعلى الموازنة بين الحوادث، مع بيان أسباب تلك الحوادث، ثم على تنتيج النتائج المقبولة في العادة وفي العقل.. والذي يتعرض لتعليل التاريخ يجب أن يكون ملما بعلوم كثيرة متصلة بالتاريخ، من قرب ومن بعد، كالجغرافية، وعلم الاقتصاد، وعلم النفس، والرياضيات، وسواها، ذلك لأن التاريخ في الحقيقة صورة للحياة الاجتماعية، وسجل لتطورها، بما فيها من سياسة وحرب وفن وآداب وتنازع وتغلب [2] .

              لذلك يؤكد أنه حين ندرس تاريخنا لن ندرسه «درسا مطلقا مجردا، غايته أن نعرف الحقائق حبا بمعرفة تلك الحقائق وحدها، بل سنسعى إلى أن يكون تاريخنا الماضي «عبرة» لنا في حاضرنا.. إن لنا في درس التاريخ هـدفا علميا: نرى حسنات الماضي وسيئاته، ثم نحاول أن نتلافى في حاضرنا تلك الخطيئات التي ارتكبها أسلافنا في ماضيهم» [3] . [ ص: 132 ]

              وحين نأتي إلى تعليل تاريخنا يجب علينا -كما يشدد فروخ- ألا نتبنى التعليل الغربي، بل يجب أن يكون لنا تعليل مبني على أهدافنا ومثلنا العليا، وعلى واقع الحياة التي نحياها نحن [4]

              التالي السابق


              الخدمات العلمية