الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              معلومات الكتاب

              عمر فروخ (رحمه الله) في خدمة الإسلام

              الأستاذ / أحمد العلاونة

              - الغزو الفكري ودوره في تدمير ديار المسلمين

              يرى عمر فروخ ، رحمه الله، أن الغزو الفكري، أو دفع العرب والمسلمين عامة إلى أسلوب من التفكير لا ينفعهم، وسيلة من أخطر وسائل الاستعمار.. فقد كانت الدول المستعمرة من قبل تعد جيوشا وأجهزة حكم وأموالا وجهودا تسيطر بها على بقع من بقاع الأرض في سبيل الاستيلاء على الثروات الاقتصادية، ثم بدل المستعمرون سياستهم هـذه، ولجأوا إلى وسائل أقل نفقة وأكثر أثرا، والغزو الفكري إحدى هـذه الوسائل الجديدة [1] . [ ص: 65 ]

              وتتمثل الطريقـة الجديدة للغزو الفـكري، كما يراها عمر فروخ ، رحمه الله، في أن تأتي الدول المستعمرة فتختار، من بلد من البدان التي لها فيها مصالح اقتصادية، نفرا من الشباب الضعاف الشخصية وتنقلهم إلى جامعاتها، ثم تعطيهم شيئا يسيرا من العلم المنحرف، وتضمن لهم مناصب في بلادهم، أو تضمن لهم دخلا من إحدى مؤسساتها، وسرعان ما يصبح أمثال هـؤلاء داعين إلى الفكر الأجنبي. [2] .

              وعندما سئل عمر فروخ ، رحمه الله، عن النتائج التي وصل إليها المستعمرون بالغزو الفكري، أجاب: «أما النتائج التي وصل إليها المستعمرون بهذه الوسائل الأخيرة فهي كثيرة جدا منها: ضعف اللغة العربية؛ ضعف التفكير العربي (بتوفره على الجوانب النظرية من الحياة وبإغفاله الجوانب العلمية) ؛ ضعف الشعور الديني؛ وضعف الشعور القومي والشعور الوطني في بعض الأحيان» [3] .

              وأوضح أن الاستعمار استطاع عن طريق الغزو الفكري الاستيلاء على خيرات المجتمعات الإسلامية، وحولها إلى بلاد مستهلكة لمنتجاته، وضرب أمثلة لذلك منها: أن بعض العرب يجهلون قيمة البترول الذي ينبع في بلادهم، فيبيعونه بملايين الأطنان كل يوم بثمن بخس، ثم يشترون بثمنه أشياء تافهة (ألعاب أطفال، أحذية، أدوات منـزلية.. بأثمان باهظة) أو أشياء ضرورية، وهذا [ ص: 66 ]

              يجعلهم فقراء محتاجين مع كثرة أموالهم النابعة من أرضهم لا المكتسبة ببذل الجهد، والمال لا قيمة له إلا إذا أحسن الإنسان استخدامه. [4]

              إن الاستعمار الثقافي أو الغزو الثقافي يهدف -كما ينبه عمر فروخ - إلى أن نبقى في عالم الحضارة المادية أطفالا نعتمد على الغرب؛ و أن يكون العالم -كما يرى الغربيون- مصنعا كبيرا، وأن تكون مصانعه متفرقة في هـذا العالم الواسع، بشـرط أن نكون نحن عمالا، ليس لنا من ثمن صناعتنا إلا أجرة أيدينا.

              لقد كان عمر فروخ ، رحمه الله، مبصرا لأثر الغزو الفكري في حياة المسلمين، وأن الاستعمار يدرك أن الدين سياج صحيح لوحدة الأمة، وأنه لا يستطيع أن ينفذ إلى مطامعه في الأمة إلا إذا اخترق ذلك السياج، وقد استطاع أن يستميل بعضا من ذوي المكانة في المسلمين فأضلهم، ثم انطلق هـؤلاء يضلون جماعاتهم عفوا أو قصدا، جهلا أو عن علم. [5] .

              لذلك يرى في الهجمات القوية المتوالية على تراثنا وثقافتنا، ما يؤكد أن ثقافتنا بخصائصها وميزاتها سياج حقيقي لنا، وأن الرغبات في تمزيق هـذا السياج كثيرة، وظاهرة للعيان، وأن الغاية من تمزيق هـذا السياج تمزيق الأمة العربية نفسها، وهذا ما يرمي إليه المستعمرون، ويقول: «إن حياة الأمم رهينة بحياة تراثها، فإن الأمة التي لا تراث لها، لا تاريخ لها وإن الأمة التي لا تاريخ لها ليست إلا كتلا بشرية، لا وزن لها في ميزان الأمم» [6] . [ ص: 67 ]

              إن الأمة تنقرض -كما يؤكد عمر فروخ - إذا فقدت حضارتها، وذابت في غيرها؛ ثم إنها تنقرض، بمعنى آخر، حينما تنحط في سلم الحياة، وتتخلى عن خصائصها، وتفقد حضارتـها الروحية، فتصـبح كتلا بشرية لا حظ لها من الحياة الإنسانية إلا أنها تقلد البشر الذين هـم أقوى منها.. وكلما انحط البشر في سلم الحضارة أصبحوا أقدر على التقليد حتى يضعفوا ضعفا شديدا، ويصبحوا غير قادرين إلا على تقليد الآخرين. ويعجز هـؤلاء المقلدون عادة عن تقليد الأقوياء المفلحين في الأعمال القيمة النافعة، فيقلدونهم في الأعمال الظاهرة التافهة.

              إننا لا نقلد الغرب الحاضر في إطلاق مركبات الفضاء وتصنيع البترول، وعمل الآلات الحاسبة، وفي الزراعة والصناعة، بل نقلد الغرب الحاضر في التافه والمضر من عاداته: في الطعام واللباس والتدخين، والسهر في الليالي، وما يتبع ذلك كله [7] .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية