الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              معلومات الكتاب

              عمر فروخ (رحمه الله) في خدمة الإسلام

              الأستاذ / أحمد العلاونة

              - الإصلاح الديني في أوربا.. من آثار الإسلام

              يكشف عمر فروخ ، رحمه الله، عن أن حركة الإصلاح الديني التي قام بها مارتن لوثر [1] أثر من آثار الإسلام في الحضارة الإنسانية.. إن رفض السلطة الدينية لبعض الناس على بعضهم الآخر (كسلطة البابا مثلا) وتحريم الصور والتماثيل في العبادة، ثم إلغاء مراتب الكهنوت، ثم نظرة الكره إلى التبتل، ثم القول بمخالفة الرهبنة للعقل والمنطق، ثم نجاة الإنسان في الآخرة بعمله وحده، لا بوساطة ولا بشفاعة، ولا بشراء بقاع في السماء من نفر يبيعون ما لا يملكون [2] ، أثر من آثار التأثر بالإسلام.

              ويستشهد بقول لوثر : «كان الأليق بالبابا، لو كان قادرا فعلا على مغفرة ذنوب الناس، أن يغفر ذنوب الفقراء من أولئك الذين يقعون في الإثم [ ص: 85 ]

              عن جهالة أو اضطرار أو غفلة، وأن يغفرها لهم مجانا، لا أن يغفر ذنوب الأشرار بمال يدفعونه إليه، ثم يستأنفون حياة مليئة بالذنوب والآثام» [3] .

              وينقل عن أستاذه المسـتشرق الألماني الكاثوليكي « يوسف هـل » [4] : «لا شك في أن لوثر كان قد اطلع على القرآن الكريم قبل أن يضع مذهبه، إذ يصعب أن تكون كل هـذه الأمور قد اجتمعت له من غير أن يكون قد رآها في الإسلام» [5]

              وينقل عنه أيضا، في موضـع آخر: «لا شك في أن لوثر (لوثر) كان – وهو يضع قواعد حركته الإصلاحية – ينظر في نسخة من القرآن الكريم.. إن القرآن الكريم كان منقولا إلى اللاتينية من منذ زمن باكر، منذ القرن الثالث عشر للميلاد، أو قبل ذلك أيضا» [6] . [ ص: 86 ]

              - فضل الحضارة الإسلامية على الحضارة الأوربية

              لم يقصد عمر فروخ ، رحمه الله، حين تحدث عن فضل الحضارة الإسلامية على الحضارة الأوروبية، أن يفاخر بالماضي، وأن يرد على المفكرين في الأمم الأجنبية، وأن يمن عليهم بما كان لأسلافنا من الفضل عليهم، ولكنه أراد أن يعرف المسلمون أين كانوا بالأمس، وأن يقارنوا يومهم هـذا بأمسهم البعيد القريب.. وأراد كذلك أن يرجع المسلمون إلى مكانتهم السابقة، مؤكدا أن الرجوع إلى تلك المكانة التي كانت بالعلم، لا يكون إلا بالعلم.. غير أنه يرى المسلمين اليوم أعداء للعلم، أعداء للتنظيم [7] !!

              ويتساءل: «وما النفـع في أن يكون في خبايا أرضـنا ثروات طبيعية لا حصر لعددها ولا حد لقيمتها في حياة الحضارة، ثم نجهل استخراجها من باطن الأرض، فنمنح أعداءنا حق الوصول إليها، ثم شراءها خاما وجزافا بأبخس الأثمان، ثم إعادة جزء ضئيل منها إلينا مصنعا، وبيعنا إياه بالقراريط بأعلى الأسعار؟» [8]

              ويبين أن أعظم ما كسبه الأوربيون من الشرق الإسلامي كان في أثناء الحروب الصليبية .. فقد جاء الصليبيون إلى الشرق حشودا كثيفة وكتلا من البشر، لا نظام لها ولا مسحة من حضارة عليها، ويصورهم بجملة لأسامة [ ص: 87 ] ابن منقذ : «هم بـهائم لا فضيلة لهم إلا الشجاعة» ولكنهم عادوا إلى بلادهم يحملون جميع أنواع الحضارة، بعد أن كانوا لا يفهمون من النصرانية (من نصرانية الكنيسة لا من نصرانية المسيح عليه السلام ) إلا قتل مخالفيهم [9] .

              ولم يبسط عمر فروخ ، رحمه الله، الكلام على أوجه الحضارة التي استفادها الغرب المسيحي من الشرق الإسلامي، في الحروب الصليبية، في الطعام واللباس والبناء والزراعة والصناعة والتجارة والملاحة وفن الحرب، والعلم والفلسفة والأدب؛ لأن هـذا يحتاج إلى كتاب ضخم، ولكنه اكتفى بالإشارة إلى الألفاظ الحضارية؛ لأنها تعين على النفوذ إلى تلك الأوجه الحضارية كلها مع الإيجاز؛ ذلك لأن الأوربيين لما نقلوا اللفظ الحضاري إلى لغتهم كانوا بطبيعة الحال قد نقلوا الوجه الحضاري الذي يدل عليه ذلك اللفظ إلى حياتهم، ويشير إلى أن في اللغة الإنكليزية نحو 400 كلمة من الكلمات الدائرة في الاستعمال ترجع إلى أصل عربي، ونحو هـذا العدد في اللغتين الفرنسية والإيطالية، أما في الإسبانية والبرتغالية فإنهما يحويان نحو أربعين بالمائة من كلمات تينك اللغتين [10] .

              ويذكر أن هـذا كله قد جعل أوربا المسيحية تحتك بالإسلام والمسلمين، وتعرف أشياء كثيرة من حقائق الإسلام، إذ كان الأوربيون يقصدون [ ص: 88 ]

              الأندلس والمغرب أيضا للتزود بالعلم، كما يذهب المسلمون اليوم إلى أوربا والولايات المتحدة الأمريكية في طلب العلم الجامعي [11]

              التالي السابق


              الخدمات العلمية