الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              معلومات الكتاب

              عمر فروخ (رحمه الله) في خدمة الإسلام

              الأستاذ / أحمد العلاونة

              - عبقرية العرب

              [1] في العلوم الطبيعية

              يرى عمر فروخ ، رحمه الله، أن عبقرية العرب في العلوم الطبيعية تقوم على خمس دعائم:

              1- نفي الخرافات: ذلك أن العقل الأوربي في العصور الوسطى كان يرتكز إلى كتابين، إلى التوراة، وإلى فلسفة أرسطو .. أو إلى آراء تنسب إلى أرسطو – فكان يقبل ما فيهما من الأخبار والآراء بلا جدال ولا تساؤل [ ص: 81 ]

              عما يمكن أن يكون فيهما من مناقضة للعلم، إلا أن علماء العرب حاربوا الخرافات محاربة عنيفة [2] .

              2- سعة الاطلاع: فبينما كان الغربيون يقيدون أنفسهم بأخذ المعارف من مصدر واحد، ويعدون كل شيء سوى ذلك كفرا يستوجب القتل، كان العرب يطلعون على كل شيء، ويبحثون في كل مصدر.. وكذلك بينما كان الغربيون يمنعون أقوامهم من تعلم العلم النافع من غيرهم، كان العرب يحثون قومهم على أن يتعلموا كل شيء. [3]

              3- الرحلات للبحث والتنقيب: إن العرب رأوا الرحلات ضرورة من ضرورات العلم وجمع المعارف. والعلماء الذين طافوا العالم (في العصور الوسطى الأوربية) ليؤلفوا الكتب كثر، ذكر منهم عمر فروخ ، رحمه الله، البخاري صاحب «الصحيح» في الحديث، فقد طاف أربعين عاما في العالم الإسلامي حتى ألف «الصحيح» الذي جمع فيه نحو ستة آلاف حديث؛ في حين كان الرجل الأوربي لا يخرج من قريته، ومنهم من لم يخرج من قصره أو ديره [4] .

              4- التجارب: أوضح عمر ، رحمه الله، أن العلم الحديث قام على التجارب، وأن العرب قاموا قبل الأوروبيين بثمان مائة عام بتجارب، من الحق أن تذكر لأسلافنا ويذكروا بها، وقد أثبت بعض تجاربهم [5] . [ ص: 82 ]

              5- الموازنة: قال عمر ، رحمه الله: إن الأمور المفردة لم تكن ذات قيمة جليلة عند العرب، حتى إن أحاديث الرسول المفردة -التي رواها واحد، وتعرف من أجل ذلك بأحاديث الآحاد- ليس لها قوة الأحاديث المتواترة، أي التي تروى من أوجه مختلفة. وكذلك شأنهم في اللغة وفي العلم [6] .

              لذلك فهو يهدي إلى طريق نهضة العرب، بأن يتبعوا السبيل الذي اتبعه أسلافنا لنصل إلى ما وصلوا إليه. إن السلم الذي صعد عليه أجدادنا العرب ليثبتوا مكانتهم في معارج العبقرية هـو السلم الذي يجب أن نصعد إليه نحن. ثم علينا أن نتقن استخدام الثقافة العلمية الصناعية التي وصل إليها الغرب حتى نستطيع المزاحمة في هـذا العالم الغاص بالنـزاع المادي والكفاح الروحي، وكل شيء غير هـذين لا يهتدي إلى سواء السبيل [7] .

              ويرى أن من أهم أسباب تأخرنا الحقيقي، أن في بلاد العرب مؤسسات تسمى علمية، مع أن مقصدها الأول حجب العلم الصحيح النافع عن العرب، تلقي إلينا بعلوم وفنون نظرية وكمالية، ليس من الصواب أن تشتغل بها الأمة كلها، مشيرا إلى أن لهونا طال بعلوم لا فائدة عملية من إقبال جميع العرب عليها بمثل هـذه الرغبة؛ بينما حيل بيننا وبين علوم وفنون مجدية نافعة ترتكز عليها الحضارة والمدنية، ويتقنها في أوربة من أنهوا مدارسهم الابتدائية أو كادوا [8] [ ص: 83 ]

              لذلك فمن الطبيعي أن يتساءل : «أية فائدة لنا من أن يصبح جميع العرب بارعين في سياقة السيارات إذا لم يكن فيهم واحد يستطيع صنع سيارة، أو أداة واحدة من أدوات السيارة؟ وأية فائدة من أن يكون نصف سكان بلاد العرب أطباء وهم لا يستطيعون أن يصفوا دواء واحدا يصنع في بلادنا؟ إن الدواء الذي يستورد في براميل من أوربة ، ثم يوضع في أوعية مستوردة من أوربة، ويسد بفلينة من صنع أوربة، ثم يلف وعاؤه بورق من صنع أوربة، وبعدئذ يطبع هـذا الورق باسمنا عندنا نحن، ولكن بآلات وأدوات صنعت كلها في أوربة (!!) إن هـذا الدواء، وإن كان يحمل اسم طبيب عربي أو صيدلاني عربي، ليس دواء عربيا» [9] .

              ويسخر من الذين يثبطون هـمتنا دائما بقولهم: إن الثروة الطبيعية في الشرق ضعيفة بعد أن عرفنا مقدار الثروة في البترول المخزون في بلاد العرب، وفي الأملاح الموجـودة في البحر المسمى «ميتا» ظلما وعدوانا، كأن الحياة عند هـؤلاء ليسـت إلا في السمك الذي يسبح ثم يصطاد ليؤكل (!!) أما الثروات الذائبة في مياه البحر «الميت» فلا يلقون إليها، لجهلهم، بالا [10] [ ص: 84 ]

              التالي السابق


              الخدمات العلمية