الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
معلومات الكتاب

المشروع الحضاري لإنقاذ القدس

الأستاذ / محمد عبد الفتاح حليقاوي

أسئلة المشروع النهضوي الحضاري

إن الوعي بالمشروع النهضوي الحضاري الذي ستكون القدس إحدى ثماره لا يكتمل دون الإجابة عن مجموعة الأسئلة التي سوف تساهم في تشكيل صورة المستقبل [1] :

1- سؤال التخلف

يذهب الدكتور فهمي جدعان إلى أن «التخلف هو الوجه المقابل للتقدم، فثمة تخلف في فهم العقيدة وتجسيرها، وتخلف في الحياة الأخلاقية، وتخلف في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتخلف في الأحوال السياسية وأنظمة التدبير والحكم، وتخلف في نمط العقلية التي يفسر المسلمون بها الأشياء ويتعاملون بها مع واقعهم الذاتي والواقع المحيط» .

ويضيف أن المسلمين لم يحددوا أسباب هذه التخلف، هل هي عقدية أم سياسية أم أخلاقية أم حضارية أم هي هذه كلها؟ فضلا عن اختلافهم في المبدأ التاريخي لهذا التخلف، فهم يختلفون إن كان ذلك يرجع إلى عام 1924م مثلا عندما تم الاستغناء عن نظام الخلافة الإسلامية أم يرجع ذلك إلى سقوط بغداد بيد المغول عام 1258م، إلى جانب البحث في [ ص: 90 ] انكفاء الدور الذي أداه العرب في حياة الإسلام، وتحول النظام السياسي في الإسلام من الخلافة إلى الملك، ناهيك عن التطرق إلى الأسباب الاقتصادية والاجتماعية والجغرافية.

وفي الحقيقة فإنه لا توجد لهذه الأسئلة إجابة جامعة ومانعة؛ لأن الأسباب البعيدة والعميقة مثل الألغاز, بيد أن الأهم من ذلك هو وعي الظاهرة وإدراكها ومحاولة تخطيها وتجاوزها، وقد حدث هذا منذ ابن خلدون وتعزز من بعده، وما زال هذا الوعي كامنا وباديا حتى الآن، حيث تباينت الرؤى حولها، وتباينت كذلك الصعوبات التي تعترض هذا المشروع أو ذاك، علما بأنه قد حصل تقدم في بعض الأحوال والأوضاع والمواطن، لكن المسألة ما زالت قائمة، وما زال الحاضر يشكو من التخلف في هذا الوجه أو ذاك من وجوه الحياة العامة والخاصة، وما زالت البحوث العلمية والفكرية تجهد في سبر الحاضر وأبعاده، وتطلعها الأكبر هو الخروج من دائرة التخلف والدخول في رحاب التقدم.

2- سؤال التراث

تشكل قضية التراث سؤالا محوريا وهاجسا دائما في مشروع النهضة المأمول، وهي قضية مصيرية نتيجة الأسباب التالية:

أولهما أن التراث مشرع الأبواب على ماض مقدس، وثانيهما أن التراث ملتحم بحاضر متخلف، ومن المعلوم أن هذا التراث هو الذي جسد [ ص: 91 ] تاريخنا وصاغ كياننا فأصبحنا به أحرارا أو له عبيدا، وما من خطو كبير نريد أن نخطوه أو سياسة رئيسة نريد أن نخطها إلا ويفرضان علينا، بقدر يسير أو غير يسير، موقفا من التراث، أو في التراث صريحا أو ضمنيا.

ويجيب الدكتور جدعان عن ماهية التراث وحدوده بالقول: إن «التراث كل ما ورثناه تاريخيا عن الأصول والماضي، ولا شك أنه وعي التاريخ وحضوره الشعوري في ضمير أبنائه فرديا وجماعيا، وقد تتعدد التعريفات والحدود له، لكن الإحصاء الشامل لمادته هو وحده الذي يسمح بتحديد طبيعته وبيان السمة الإنسانية التاريخية الزمانية له، وما من تراث إلا وهو تجسيد تاريخي لعلم الإنسان وصنعه وفعله، إذ العلوم والمصنوعات والقيم الأخلاقية والجمالية هي الوجوه الرئيسة للتراث، وهي العناصر الإنسانية التي يورثها الإنسان للإنسان في المكان وفي الزمان، أما الوحي فليس جزءا من التراث [2] ؛ لأنه ليس مما يدخل في دائرة المنجزات الإنسانية التاريخية، وهو يتجاوز التاريخ ويعلو عليه برغم حضوره فيه، وتوليده لجوانب أساسية من التراث.. إن الوحي مفارق للواقع [3] ، أما التراث فهو متجذر في أحوال الإنسان الاجتماعية والثقافية والتاريخية». [ ص: 92 ]

وإن من أهم مسـائل التراث ضرورة الفصل بين الإسـلام من حيث هو دين أو عقيدة، وبين الإسلام من حيث هو «تراث» فلا يضعوا التراث في مرتبة العقيدة من جهة أولى، ويعترفوا بأن التراث ليس سوى منجزات تاريخية تربط صانعيها من السـلف ولا تقيد أحدا من الخلف من جهة ثانية، فعلم الكلام، والفقه، ونتاج التفسير، وأصول الفقه، والفلسفة، والعلوم، والتصوف ليست إلا اجتهادات إسلامية وعربية صنعتها أجيال تاريخية معينة في ظروف معينة ورثتها لمن بعدها، لا لكي يأخذ هؤلاء بكل مـا جـاء فيها ولكن لكي تدخل في بيان وبناء التاريخ الثقافي العام للأمة، أما الخلف فليس عليهم إلا أن ينجزوا هم بدورهم منجزاتهم الخاصة التي تصبح بدورها إرثا يضاف إلى الإرث السابق وهكذا [4] .

أما العقيدة نفسها، فلها أصلان أساسيان: القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة، وهما ليس من التراث، بمعنى عطاء الإنسان واجتهاده؛ لأنهما معطيات إلهية مباشرة وأزلية تتجه إلى ضمير كل إنسان في كل وقت وجيل، فتثير ما أمكن لها أن تثير وتدفع إلى ما يمكن أن يتم إنجازه، وفي هذا الإطار تتصل بشكل جوهري بهذه القضية مسألة موقفنا نحن -الآن- منه أخذا وردا، وما هي وظيفته؟ [ ص: 93 ]

وقد تمحورت المواقف من التراث الإسلامي في ثلاثة مواقف هي:

الأول: الدعوة إلى الاقتصار على إحياء التراث.

الثاني: استلهام التراث.

الثالث: المطالبة بإعادة قراءته.

ويبدو جليا أن الموقف الأول يعتبر بعث التراث بجملته وتفصيله وتجسيده شرطا قطعيا لبناء المستقبل، والثاني يستند إلى الاعتقاد بأن بناء هذا المستقبل يتم باستلهام مواقف وأفكار وقيم تراثية تناسب الحاضر والمستقبل، والثالث يرى أن إعادة قراءة التراث في ضوء مناهج العصر يمكن أن تجعل من التراث جزءا طبيعيا من الحاضر المعاصر، هذا إن لم تجعل منه مبدأ تأثير أيديولوجي فعال.

وبالتالي يمكن القول، إلى حد ما: إن هذه المواقف من التراث عمليات توظيفية للتراث لا للحاضر وحده، وإنما للمستقبل أيضا، وبها، وبمجمل ما يثير التراث من قضايا.

3- سؤال الاغتراب

يمكن القول: إن الاغتراب حالة تصيب الإنسان تكف فيها (الذات) عن العيش في دائرة التشخيص الحيوي الموضوعي المباشر إلى دائرة التشخيص الحيوي غير الموضوعي وغير المباشر، وبهذا الاعتبار تكون العقلية الثقافية مغتربة إذا كانت لا تحيا شروطها الثقافية الموضوعية المباشرة، وإذا كانت تجنح نحو شروط ثقافية غير مباشرة وغير موضوعية. [ ص: 94 ]

ويبدو أن الاغتراب قد أصاب الجناحين القصيين للثقافة في الوطن العربي والعالم الإسلامي الحديث والمعاصر: الجناح السلفي الاتباعي، والجناح المضاد في معظم تياراته ودعاواه، أما التيار الأول فقد وقع في إشكالية الاغتراب حين قال بعض مفكريه: إن المسلمين اليوم ليسوا مسلمين، وإن تسعة وتسعين بالمائة منهم يدعون الإسلام دون أن يعرفوه، وإن الأزمنة الحديثة هي قرون «جاهلية» وحسب، وهكذا، حتى انتهى بهم الأمر إلى تكفير الأفراد والجماعات والدول بغير رحمة، وقد ظهر هؤلاء لأقرانهم من المسلمين وكأنهم آتون من عالم آخر، وأنه على الأقل لا تربطهم بهم أي رابطة أو وشيجة، وأن دعوتهم هذه الراديكالية المتفردة لقطع العلائق بالأزمنة الحديثة وأحكامها لا يمكن أن تعني إلا خطر الإيذان بالغربة عنها والخروج منها [5] .

أما التيارات الأخرى المضادة لما سبق فقد وقعت هي أيضا بدورها في الحالة نفسها، فحين اتخذت العلمانية وضع النقيض المطلق تزعزعت راحتها بل وشرعية إقامتها في الحياة العربية الإسلامية؛ وحين تبنت الليبرالية موقف الانعتاق من التراث وترسخت في معسكر الأنظمة السياسية المدعومة من الغرب نجمت القطيعة بينها وبين الناس، وضجت هي بالأنين والشكوى من تخلف الجماهير؛ وحين اختارت الحركات [ ص: 95 ] الشيوعية أن تجعل من الماركسية بديلا مطلقا متفردا للإسلام في عقر داره حكمت على نفسها ابتداء بالعزلة القاتلة في دار الجماهير نفسها.

وهكذا حالف الإخفاق الجميع على قدم المساواة، وهكذا يعرض العالم الإسلامي اليوم على الناظر في أحواله صورا صارخة لحالات الاغتراب، وهي جميعا حالات تتنكر للواقع المشخص وتنشط من أجل وجود غير موضوعي وغير مباشر.

ومن هنا، فإن المشروع النهضوي الحضاري من أجـل المستقبل، لا يمكنه أن يسقط من حساباته هذه الأوضاع، حيث لن يتقبل المستقبل العربي والمسلم عقلا مغتربا، تماما مثلما أن الماضي والحاضر لم يستطيعا تحمل مثل هذا العقل.

4- سؤال العلم

لقد عرف التاريخ الفكري الإسلامي أربعة أنماط معرفية هي: النمط العقلي، والنمط النقلي، والنمط العرفاني، والنمط الاختباري (التجريبي)، لكن الوقت الحاضر عند المسلمين لا يعرف منها إلا نمطين اثنين، يعبر عنهما بمصطلحي الإيمان والعلم بعد أن كانا الإيمان والعقل، والشريعة والحكمة، ومن الواضح أن المسألة التي ولدها التاريخ الاجتماعي للمعرفة في الإسلام هي أن النمط الإيماني قد استحوذ في النهاية على كل المناطق المعرفية الأخرى الممكنة للإنسان إطلاقا، وللإنسان المسلم على وجه [ ص: 96 ] التحديد، وبات من الشائع أن من الضروري أن تؤسس جميع معارفنـا على أساس نقلي أو خبري أو إيماني.

والمعرفة تمثل اليوم بالنسبة للإنسان المسلم دافعا مركزيا؛ لأن الإسلام ليس محايدا بإزاء العلم، كما أن العلم لا يمكن أن يكون محايدا بإزاء الإسلام، ونحن لم نعد نستطيع أن نـزعم أن الإسلام يوافق العلم ويعضده ويشد أزره، على مستوى الخطاب التقريري، وكفى؛ إن تقريرا كهذا لكي يكون جادا يعول عليه وعلى قيمته ينبغي أن يتضمن إجراء تحليلات دقيقة صارمة في معطيات كلا الطرفين: معطيات الإسلام التي يمكن إخضاعها لعملية المقارنة والتحليل، ومعطيات العلم الإنسانية والطبيعية البيولوجية على حد سواء.

وفي هذا الإطار تبرز مجموعة أسئلة من بينها: ما هي الرابطة بين الفكر الديني والفكر الغيبـي والفكر العلمي الطبيعي؟ وهل يمكن قيام فكر علمي وضعي في إطار أوضاع إسلامية شاملة؟ وما هي طبيعة العلاقة بين الإنسان والطبيعة؟ وبين العلم والتقنية؟ وما هو حال العقل في ثقافة إسلامية أساسية، وكيف يتم التمييز بين ما هو عقلي وما هو ليس كذلك، وهل يمكن قيام عقلانية مطلقة في إطار تصور ثقافي إسلامي شامل؟ وهل يستطيع المسلم أن يقول اليوم: يقدم لي الغرب حضارة مادية أو خلاصا [ ص: 97 ] ماديا، وأنا أقدم له حضارة روحية أو خلاصا روحيا؟ غافلا عن أمر كبير هو أن حضارة العلم والتقنية تبدع هي نفسها قيمها الروحية الخاصة؟

إن هذه الأسئلة -وغيرها الكثير- تعيدنا إلى دائرة البحث عن العلم في المستقبل، وتجعل لزاما على المفكر المسلم النظر فيها وفحصها من أجل وضع استراتيجية واضحة تتحدد فيها الإجابات التي تناسب المستقبل المأمول، وفي سبيل مشروع نهضوي حضاري جديد [6] .

5- سؤال العمل

يرى الدكتور فهمي جدعان أن: «القيم والمصنوعات حدود جوهرية لوجود الإنسان في العالم، والمفارقة التي يعيشها المسلمون في عالم اليوم مفارقتان: مفارقة الإيمان بقيم غير محولة إلى ممارسة حقيقية، ومفارقة الدعوة إلى القوة دون العمل الفعلي لها، المفارقة الأولى تعكس الهوة الأزلية بين النظرية والتطبيق، والمفارقة الثانية تعكس العطالة الكاملة في الفعل، ولقد يلاحظ الباحث المدقق، أن القيم المجردة في عالم المسلمين قد كفت عن التأثير الحقيقي في قطاعات كبيرة من الحياة الاجتماعية الإسلامية، وأن الدعوات الأخلاقية تبدو عاجزة عن إحداث التغيير في الأوضاع المتأزمة التي تحياها الشعوب الإسلامية، ومع فساد الإنسان من وجهة [ ص: 98 ] النظر الدينية الخالصة بات من الضروري التساؤل عن الشروط الوضعية الضرورية لإحداث تحول أخلاقي طيب ومؤثر» .

من زاوية أخرى، يطرح وجود المسلم والإسلام في المجتمع، حاضرا ومستقبلا، مجموعة الأسئلة والإشكاليات الجديرة بالبحث لدى الدكتور جدعان مثل: سلام اجتماعي أم صراع اجتماعي؟ وفاق مع المجتمع والأفراد أم خروج عليه وانفصال عنهم؟ مجاهدة من أجل العدل الاجتماعي الشامل أم عمل من أجل الخلاص الفردي؟ تمركز عملي حول مسألة السلطة والحكم أم إيمان بالحضور الإسلامي من خلال مبدأي الحلال والحرام؟ إعادة بناء الإسلام بالدولة الإسلامية أم بدون هذه الدولة؟ التعويل على البنى الأولى والمجتمعات الإقليمية الخصوصية أم على البنى الأكبر الإنسانية؟ إلى آخر هذه الأسئلة التي ترتد إلى القضية نفسها وتدور حول الانفعال نفسه، انفعال الوجود الفاعل في المجتمع وفي العالم الآن وفي المستقبل.

ومن زاوية ثالثة، يبدو التساؤل المنطقي الآن: أين تكمن القوة المادية من مجمل مسألة الفعل والعمل؟ والقوة المادية هنا بشتى صورها الطبيعية والاقتصادية والسكانية والسياسية والعسكرية، التي يبدو أنها تمثل اليوم وغدا السلطة المهيمنة بصورة كبيرة جدا.

ومن بين قضايا الفكر العملي الكثيرة قضيتين اثنتين تحتلان مكانة مركزية في هذا الفكر: القضية الأولى هي قضية الدولة الإسلامية، والقضية [ ص: 99 ] الثانية هي قضية التنمية، أما قضية الدولة الإسلامية فإنها مشكلة المشاكل، وعندها بالذات يصل الدعاة المسلمون في مختلف الأقطـار الإسلاميـة إلى حافة الخطر تماما، وبخاصة أنها ليست ذات وجه يتطلع إلى السلطة والحكم فقط، وإنما هي أيضا ذات وجه اجتماعي، على طريقة تصورها تتوقف طبيعة العلاقات داخل المجتمع نفسه، والعقل الإسلامي ملزم بالإجابة عن هذا السؤال: هل نختار الصيغة القائلة: إنه لا خلاص إلا بالدولة الإسلامية أم الصيغة القائلة إنه لا خلاص إلا بالإسلام؟

أما قضية التنمية فهي إشكالية جميع بلدان العالم الإسلامي، وعلى الرغم من غنى بعضها الطبيعي إلا أنها تعاني من مشاكل التخلف النوعية، ودرجة استقلالها الاقتصادي متدنية، وهي تعيش على الأغلب مستهلكة لما ينتج العالم المتقدم اقتصاديا وعسكريا، كما أنها تشكو من صعوبات أخرى مزمنة ذات طبيعة سياسية أو اجتماعيـة أو سكانيـة أو عرقيـة أو طائفية أو غير ذلك، وهذا كله ينبغي أن يعكس عند من يفكر في أوضاع الإسلام والمسلمين الآن وغدا هاجسا مستقبليا أساسيا هو هاجس التنمية في صورها المختلفة: الطاقة, والتغذية, والإنتاج الزراعي, والاستهلاك, والتعليم, والنمو السكاني, والثقافة.... إلخ, وبالتالي ستكون الحاجة ماسة وقتها إلى وضع استراتيجيات خاصة بالتنمية تناسب كل الأوضاع السابقة. [ ص: 100 ]

6- سؤال التغيير

إلى أي مدى سيكون العالم الإسلامي بعيدا عن رياح التغيير التي تعصف بالعالم أجمع وهو المرتبط نموه كغيره من بلاد العالم الثالث بالنمو في العالم المتقدم؟ من المؤكد أن العالم الإسلامي سيواجه -وهو يواجه الآن فعلا تغيرات في الأحوال المعيشية، وفي القيم الأخلاقية, وفي الأوضاع الأسرية والقبلية والتعليمية والقانونية، وفي العلاقات الإقليمية والدوليـة، إنه سيكون ملزما بالخروج إلى العالم، وبوعي المشكلات والصدمات والتحولات والإخفاقات، وبوضع استراتيجيات وسياسيات ملائمة.

إن العقلية الجامدة والمتحجرة، التي تدعي أن الثوابت هي إطارها المرجعي والتي عجزت عن استصحاب الثوابت وتوليد الرؤى والاجتهادات من خلالها سوف لن تسعف الإنسان المسلم كثيرا في المستقبل، حيث إن عقلية «تغير الأحكام بتغير الأزمان» ومبدأ «المصالح المرسلة» هي التي تلائم أحوال المستقبل, ولعل هذا التغير المأمول يكون المحك الأكبر والأساس للمشروع النهضوي والحضاري المأمول، إذ جرى الفكر الإسلامي التقليدي حتى الآن على المبدأ القائل: علينا أن نخضع الواقع للمبادئ, وأن نقيس الغائب على الشاهد، ولا بد بالتالي لأمر التغيير من آليات مناسبة في الشكل والمضمون [7] . [ ص: 101 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية