الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        1055 [ ص: 215 ] 1012 - مالك عن يحيى بن سعيد ، أن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي أمر غلاما له أن يذبح ذبيحة . فلما أراد أن يذبحها قال له : سم الله . فقال له الغلام : قد سميت . فقال له : سم الله ويحك . قال له : قد سميت الله . فقال له عبد الله بن عياش : والله . لا أطعمها أبدا .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        21635 - قال أبو عمر : هذا حديث واضح في أن من ترك التسمية على الذبيحة عمدا ، لم تؤكل ذبيحته تلك .

                                                                                                                        21636 - ألا ترى أن في خبره هذا أراد أن يذبحها ، فقال له : سم الله ، فأمره بذلك من قبل أن يذبحها ، وراجعه بما لم يصدقه ; لأنه كان بموضع لا يخفى عنه ذلك لقربه ، وعلم معاندته ، لأنه كان يجيبه بقوله : قد سميت ، ولا يسمي ، ولو قال في موضع قوله : قد سميت باسم الله اكتفى بذلك منه ، فاعتقد أنه عمدا ، ترك التسمية عليها ، فلم يستحل أكله .

                                                                                                                        21637 - وإلى هذا ذهب جماعة من أهل العلم فيمن ترك التسمية على الصيد ، أو الذبيحة عامدا .

                                                                                                                        [ ص: 216 ] 21638 - وأما اختلاف العلماء فيمن ترك التسمية على الذبيحة ، أو على الإرسال على الصيد عامدا ، أو ناسيا : 21639 - فقال مالك ، وأبو حنيفة ، وأصحابه ، والحسن بن حي : إن تركها عمدا ، لم تؤكل الذبيحة ، ولا الصيد ، وإن نسي التسمية في ذلك أكلت .

                                                                                                                        21640 - وبه قال إسحاق بن راهويه ، ورواية عن أحمد بن حنبل .

                                                                                                                        21641 - وقال بعض هؤلاء : من تعمد ترك التسمية مع علمه بما أمره الله به فيها فقد استباح بغير ما أذن الله له فيه فصار في معنى قوله : وإنه لفسق ، فلم تؤكل ذبيحته .

                                                                                                                        21642 - وهذا ليس بشيء ; لأن هذا إنما قيل في ذبيحة من ذبح لغير الله - عز وجل - ممن لا يؤمن بالله .

                                                                                                                        21643 - وللكلام في ذلك موضوع غير هذا .

                                                                                                                        21644 - وقال الشافعي ، وأصحابه : تؤكل الذبيحة ، والصيد في الوجهين جميعا ، تعمد في ذلك أو نسيه .

                                                                                                                        21645 - وهو قول ابن عباس ، وأبي هريرة ، وعطاء ، وأبي رافع ، وطاوس ، وإبراهيم

                                                                                                                        [ ص: 217 ] النخعي
                                                                                                                        ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى ، وقتادة .

                                                                                                                        21646 - ولا أعلم أحدا روى عنه أنه لا يؤكل ممن نسي التسمية على الصيد أو الذبيحة ، إلا ابن عمر ، والشعبي وابن سيرين .

                                                                                                                        21647 - وقد أجمعوا في ذبيحة الكتابي أنها تؤكل ، وإن لم يسم الله عليها إذا لم يسم عليها غير الله .

                                                                                                                        21648 - وأجمعوا أن المجوسي ، والوثني لو سمى الله لم تؤكل ذبيحته .

                                                                                                                        [ ص: 218 ] 21649 - وفي ذلك بيان أن ذبيحة المسلم حلال على كل حال ; لأنه ذبح بدينه .

                                                                                                                        21650 - وروي عن ابن عباس ، وأبي وائل شقيق بن سلمة ، وابن أبي ليلى أنهم قالوا في ذلك : إذا ذبحت بدينك ، فلا [ ص: 219 ] يضرك .

                                                                                                                        21651 - واحتج من ذهب هذا المذهب بأن قال : لما كان المجوسي لو سمى الله تعالى لم تنفع تسميته شيئا ; لأن المراعاة لدينه ، كان المسلم إذا ترك التسمية عامدا لا يضره ; لأن المراعاة دينه .

                                                                                                                        21652 - وهو معنى قولهم : إنما ذبحت بدينك .

                                                                                                                        21653 - وقد روي عن الحسن مثل قول مالك .

                                                                                                                        21654 - وعلى هذين القولين جمهور العلماء بتأويل القرآن .

                                                                                                                        21655 - قال ابن جريج : قلت لعطاء : لو أن ذابحا ذبح ذبيحته ، لم يذكر عليها اسم الله ، أيأكلها ؟ قال : نعم ، سبحان الله ، أوكل من ذبح يذكر اسم الله ؟ .

                                                                                                                        [ ص: 220 ] 21656 - قال عطاء : كل مسلم صغير ، أو كبير ، امرأة ، أو صبية ذبح ، فكل من ذبيحته ، ولا تأكل من ذبيحة مجوسي .

                                                                                                                        21657 - وقال أبو ثور ، وداود بن علي : من ترك التسمية عامدا ، أو ناسيا ، لم تؤكل ذبيحته ، ولا صيده .

                                                                                                                        21658 - وهذا قول لا نعلمه روي عن أحد من السلف ممن يختلف عنه فيه إلا محمد بن سيرين ، ونافعا مولى ابن عمر .

                                                                                                                        21659 - وهذان يلزمهما أن يتبعا سبيل الحجة المجتمعة على خلاف قولهما ، وبالله التوفيق .




                                                                                                                        الخدمات العلمية