الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        [ ص: 329 ] 1034 - قال مالك : إن أحسن ما سمع في الخيل والبغال والحمير ، أنها لا تؤكل ، لأن الله تبارك وتعالى قال : والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة [ النحل : 8 ] ، وقال تبارك وتعالى في الأنعام لتركبوا منها ومنها تأكلون [ غافر : 79 ] ، وقال تبارك وتعالى ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر [ الحج : 36 ] .

                                                                                                                        22181 - قال مالك : وسمعت أن البائس هو الفقير . وأن المعتر هو الزائر .

                                                                                                                        22182 - قال مالك : فذكر الله الخيل والبغال والحمير للركوب والزينة . وذكر الأنعام للركوب والأكل .

                                                                                                                        22183 - قال مالك : والقانع هو الفقير أيضا .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        22184 - قال أبو عمر : قد ذكر مالك - رحمه الله - مذهبه في هذا الباب .

                                                                                                                        22185 - واحتج بأحسن الاحتجاج ، ولا خلاف فيما ذكر من أكل البغال والحمير ، إلا شيء روي عن ابن عباس ، وعائشة ، والشعبي ، وقد روي عنهم خلافه [ ص: 330 ] على ما قد ذكرناه في موضعه . 22186 - وهو مذهب طائفة من أصحاب ابن عباس .

                                                                                                                        22187 - وروى سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار قال : قلت لجابر بن زيد إنهم يزعمون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن لحوم الحمر ؟ قال : وقد كان الحكم بن عمرو الغفاري يكره ذلك ، وينهى عنه ، وأبى ذلك البحر - يعني ابن عباس ، وتلا : قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما الآية [ الأنعام : 145 ] .

                                                                                                                        22188 - وابن عيينة ، عن أبي إسحاق الشيباني ، عن عبد الله بن أبي أوفى ، قال : أصبنا حمرا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخيبر ، فنحرناها ، وطبخناها ، فنادى منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن اكفوا القدور بما فيها .

                                                                                                                        22189 - قال أبو إسحاق : فذكرت ذلك لسعيد بن جبير ، فقال : إنما نهي عنها ، لأنها كانت تأكل العذرة .

                                                                                                                        22190 - قال أبو عمر : جمهور العلماء على ما ورد من السنة فيهما ، لأن النبي - عليه السلام - عام خيبر نهى عن أكل لحوم الحمر الأهلية .

                                                                                                                        [ ص: 331 ] 22191 - وأجمع العلماء على أن البغل عندهم كالحمار لا يسهم له في الغزو ، ولا يؤكل لحمه .

                                                                                                                        22192 - وعلى هذا جماعة الفقهاء - أئمة الفتوى .

                                                                                                                        22193 - واختلفوا في أكل الخيل : 22194 - فقال مالك ، وأصحابه ، وأبو حنيفة ، والأوزاعي : لا تؤكل الخيل .

                                                                                                                        22195 - ومن الحجة لهم من جهة السنة الواردة بنقل الآحاد ما حدثناه عبد الله بن محمد ، قال : حدثني محمد بن بكر ، قال : حدثني أبو داود ، قال حدثني حيوة بن شريح ، قال : حدثني بقية ، عن ثور بن يزيد ، عن صالح بن يحيى بن المقدام بن معدي كرب ، عن أبيه ، عن جده ، عن خالد بن الوليد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن أكل لحوم الخيل ، والبغال ، والحمير ، وكل ذي ناب من السباع .

                                                                                                                        [ ص: 332 ] 22196 - وقال أبو يوسف ، ومحمد ، والليث بن سعد ، والشافعي ، وأصحابه : تؤكل الخيل .

                                                                                                                        22197 - وحجتهم ما حدثناه عبد الله ، قال حدثني محمد ، قال : حدثني أبو داود سليمان بن الأشعث ، قال : حدثني سليمان بن حرب ، قال : حدثني حماد ، عن عمرو بن دينار ، عن محمد بن علي ، عن جابر بن عبد الله قال : نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم خيبر عن لحوم الحمر ، وأذن لنا في لحوم الخيل .

                                                                                                                        22198 - قال أبو داود : وحدثني موسى بن إسماعيل ، قال - حدثني حماد ، عن أبي الزهري ، عن جابر بن عبد الله ، قال : ذبحنا يوم خيبر الخيل ، والبغال ، والحمير ، فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البغال والحمير ، ولم ينهنا عن الخيل .

                                                                                                                        22199 - وروى هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن أسماء ، قالت : نحرنا فرسا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأكلنا . 22200 - قال أبو عمر : أما أهل العلم بالحديث فحديث الإباحة في لحوم [ ص: 333 ] الخيل أصح عندهم ، وأثبت من النهي عن أكلها .

                                                                                                                        22201 - وأما القياس عندهم ، فإنها لا تؤكل الخيل لأنها من ذوات الحافر كالحمير .

                                                                                                                        22202 - وأما قوله : البائس الفقير ، فلا أعلم فيه خلافا ، وربما عبروا عنه بالمسكين ، والمعنى واحد ، وهو الذي قد تباءس من ضر الفقر ، والله أعلم .

                                                                                                                        22203 - وأما قوله : المعتر ، هو الزائر ، فقد قيل ما قال .

                                                                                                                        22204 - وقيل : المعتر الذي يعتريك ، ويعترض ويتعرض لك لتعطيه ، ولا يفصح بالسؤال .

                                                                                                                        22205 - وقيل : القانع : السائل .

                                                                                                                        22206 - قال الشماخ : [ ص: 334 ]

                                                                                                                        لمال المرء يصلحه فيغني مفاقره أعف من القنوع

                                                                                                                        .

                                                                                                                        22207 - أي السؤال ، يقال منه قنع قنوعا إذا سأل ، وقنع قناعة إذا رضي بما أعطي .

                                                                                                                        22208 - وأصل هذا كله الفقر والمسكنة ، وضعف الحال .

                                                                                                                        22209 - وقال ابن وهب : قال مالك : لا بأس بأكل الأرنب .

                                                                                                                        22210 - قال أبو عمر : قد ذكرنا في باب ما يقتل المحرم من الدواب في كتاب الحج ما لمالك وغيره في أكل كل ذي مخلب من الطير ، فأغنى عن ذكر ذلك هاهنا .




                                                                                                                        الخدمات العلمية