روينا عن ، أخبرنا محمد بن سعد ، حدثني محمد بن عمر ، عن عبد الله بن جعفر عبد الواحد بن أبي عون الدوسي ، وكان له حلف في قريش ، قال : كان الطفيل شريفا شاعرا نبيلا كثير الضيافة ، فقدم مكة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بها ، فمشى إليه رجال من قريش ، فقالوا : يا طفيل ، إنك قدمت بلادنا ، وهذا الرجل الذي بين أظهرنا قد أعضل بنا ، وفرق جماعتنا ، وشتت أمرنا ، وإنما قوله كالسحر يفرق بين الرجل وأبيه وبين الرجل [ ص: 240 ] وأخيه . قال : فوالله ما زالوا بي حتى أجمعت أن لا أسمع منه شيئا ، ولا أكلمه ، فأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله ، فمكثت حتى انصرف إلى بيته ، فقلت : يا محمد ! إن قومك قالوا لي كذا وكذا حتى سددت أذني بكرسف لئلا أسمع قولك . فاعرض علي أمرك . فعرض عليه الإسلام وتلا عليه القرآن ، فقال : لا والله ما سمعت قولا قط أحسن من هذا ، ولا أمرا أعدل منه ، فأسلمت . فقلت : يا نبي الله إني امرؤ مطاع في قومي ، وأنا راجع إليهم فداعيهم إلى الإسلام ، فادع الله أن يكون لي عونا عليهم . قال : اللهم اجعل له آية . فخرجت حتى إذا كنت بثنية تطلعني على الحاضر وقع نور بين عيني مثل المصباح ، فقلت اللهم في غير وجهي ، فإني أخشى أن يظنوا أنها مثلة ، فتحول في رأس سوطي ، فجعل الحاضر يتراءون ذلك النور كالقنديل المعلق . قال : فأتاني أبي ، فقلت له . قال : ديني دينك فأسلم . ثم أتتني صاحبتي ، فذكر مثل ذلك ، فأسلمت ، ثم دعوت دوسا إلى الإسلام فأبطؤوا علي ، ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ، فقلت : يا رسول الله ! قد غلبتني دوس ، فادع الله عليهم . فقال : اللهم اهد دوسا ، فخرجت إليهم ، ثم قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن أسلم من قومي وهو بخيبر بسبعين أو ثمانين بيتا من دوس ، فأسهم لنا مع المسلمين ، وقلنا : يا رسول الله ! اجعلنا ميمنتك ، واجعل شعارنا "مبرور" .
ففعل ، ثم قلت بعد فتح مكة يا رسول الله ! ابعثني إلى ذي الكفين صنم عمرو بن حممة حتى أحرقه ، فبعثه . وجعل الطفيل يقول :
يا ذا الكفين لست من عبادكا ميلادنا أكبر من ميلادكا
إني حشوت النار في فؤادكا
قال : فلما أحرقته أسلموا جميعا ، ثم قتل الطفيل باليمامة شهيدا . والخبر عند طويل وأنا اختصرته . ابن سعد[ ص: 241 ]