ذكر خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف   
وذلك في ليال بقين من شوال سنة عشر من النبوة ، قال  ابن إسحاق   : 
ولما هلك أبو طالب  ونالت قريش  من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم تكن تنال منه في حياته ، خرج إلى الطائف  وحده - وقال  ابن سعد   : ومعه  زيد بن حارثة -  يلتمس النصرة من ثقيف  والمنعة بهم من قومه ، ورجا أن يقبلوا منه ما جاءهم به من الله ، فلما انتهى إلى الطائف  عمد إلى نفر من ثقيف  ، وهم يومئذ سادة ثقيف  وأشرافهم ، وهم إخوة ثلاثة : عبد ياليل  ، ومسعود  ، وحبيب  ، بنو عمرو بن عمير بن عوف بن عقدة بن غيرة بن  [ ص: 232 ] عوف بن ثقيف  ، وعند أحدهم امرأة من قريش  من بني جمح  ، فجلس إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلمهم بما جاءهم له من نصرته على الإسلام ، والقيام معه على من خالفه من قومه . فقال له أحدهم : هو يمرط ثياب الكعبة  إن كان الله أرسلك . وقال الآخر : أما وجد الله أحدا يرسله غيرك . وقال الثالث : والله لا أكلمك أبدا ، لئن كنت رسولا من الله كما تقول لأنت أعظم خطرا من أن أرد عليك الكلام ، ولئن كنت تكذب على الله ما ينبغي أن أكلمك . فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من عندهم وقد يئس من خير ثقيف  ، وقد قال لهم - فيما ذكر لي - : إذا فعلتم ما فعلتم فاكتموا علي ، وكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبلغ قومه عنه ، فلم يفعلوا ، وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون به ، حتى اجتمع عليه الناس . 
قال  موسى بن عقبة   : قعدوا له صفين على طريقه ، فلما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين صفيهم جعل لا يرفع رجليه ولا يضعهما إلا رضخوهما بالحجارة ، حتى أدموا رجليه . 
زاد  سليمان التيمي   : أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا أذلقته الحجارة قعد إلى الأرض ، فيأخذون بعضديه فيقيمونه ، فإذا مشى رجموه وهم يضحكون . 
وقال  ابن سعد   :  وزيد بن حارثة  يقيه بنفسه ، حتى لقد شج في رأسه شجاجا . قال ابن عقبة   : فخلص منهم ، ورجلاه تسيلان دما ، فعمد إلى حائط من حوائطهم فاستظل في ظل حبلة منه وهو مكروب موجع ، وإذا في الحائط عتبة  ، وشيبة  ابنا  [ ص: 233 ] ربيعة  ، فلما رآهما كره مكانهما لما يعلم من عداوتهما لله ورسوله . قال : فلما رآه ابنا ربيعة  وما لقي تحركت له رحمهما فدعوا غلاما لهما نصرانيا يقال له عداس  ، فقالا له : خذ قطفا من هذا العنب ، فضعه في هذا الطبق ، ثم اذهب به إلى ذلك الرجل ، فقل له يأكل منه ، ففعل عداس  ، ثم أقبل به حتى وضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال له : كل ، فلما وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه يده قال : بسم الله ، ثم أكل ، فنظر عداس  في وجهه ، ثم قال : والله إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ومن أي البلاد أنت يا عداس  ؟ وما دينك ؟ قال : نصراني وأنا من أهل نينوى   . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أهل قرية الرجل الصالح يونس بن متى  ؟ قال له عداس   : وما يدريك لقد أعلمني بأمر لا يعلمه إلا نبي . قالا : ويحك يا عداس  ، لا يصرفنك عن دينك فإن دينك خير من دينه  . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					