ذكر عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه على قبائل العرب
أخبرنا محمد بن إبراهيم المقدسي الإمام قراءة عليه وأنا حاضر في الرابعة ، وعبد الرحيم بن يوسف المزي قراءة عليه وأنا أسمع بالجامع الأزهر ، قال الأول : أخبرنا أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي قراءة عليه وأنا أسمع .
وقال الثاني : أخبرني سماعا عليه في الخامسة ، قالا : أخبرنا أبو حفص عمر بن محمد بن طبرزد أبو بكر محمد بن عبد الباقي بن محمد الأنصاري ، أخبرنا أبو الحسن علي بن إبراهيم بن عيسى الباقلاني ، أخبرنا أبو بكر محمد بن إسماعيل الوراق ، حدثنا أبو أحمد إسماعيل بن موسى بن إبراهيم الحاسب ، حدثنا ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا محمد بن عبد الله الأسدي ، عن إسرائيل يعني ابن يونس عثمان بن أبي المغيرة الثقفي ، عن ، عن سالم بن أبي الجعد ، قال : جابر بن عبد الله قريشا قد منعوني أن أبلغ كلام ربي" . كان النبي صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على الناس في الموقف ويقول : "ألا رجل يعرض علي قومه ، فإن
وأخبرنا عبد الرحيم بن يوسف الموصلي بقراءة والدي عليه وغازي بن أبي الفضيل بن عبد الوهاب الدمشقي بقراءتي عليه ، قالا : أخبرنا ، أخبرنا ابن طبرزذ ابن الحصين . أخبرنا ابن غيلان ، أخبرنا محمد بن عبد الله الشافعي ، حدثنا إسحاق بن الحسن بن ميمون الحربي ، حدثنا ، حدثنا عبد الله بن رجاء سعيد بن سلمة بن أبي الحسام ، حدثنا أنه سمع محمد بن المنكدر ربيعة بن عباد - أو عباد - الدؤلي يقول : المدينة يقول : "يا أيها الناس إن الله يأمركم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا" . قال : ووراءه رجل يقول : يا أيها الناس إن هذا يأمركم أن تتركوا دين آبائكم . فسألت من هذا الرجل ؟ فقيل : أبو لهب . رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف على الناس في منازلهم قبل أن يهاجر إلى
[ ص: 258 ] وذكر عرضه عليه السلام نفسه على ابن إسحاق كندة ، وعلى كلب ، وعلى بني حنيفة . قال : ولم يك أحد من العرب أقبح ردا عليه منهم . وعلى بني عامر بن صعصعة .
وذكر دعاءه عليه السلام الواقدي بني عبس إلى الإسلام ، وأنه أتى غسان في منازلهم . وبني محارب كذلك .
وذكر قاسم بن ثابت فيما رأيته عنه من حديث عبد الله بن عباس عن في خروجهما هو علي بن أبي طالب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك ، قال وأبو بكر علي : وكان في كل خير مقدما . فقال : ممن القوم ؟ فقالوا : من أبو بكر شيبان بن ثعلبة . فالتفت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : بأبي أنت وأمي ، هؤلاء غرر في قومهم ، وفيهم أبو بكر مفروق بن عمرو ، وهانئ بن قبيصة ، ومثنى بن حارثة ، والنعمان بن شريك . وكان مفروق بن عمرو قد غلبهم جمالا ولسانا ، وكانت له غديرتان ، وكان أدنى القوم مجلسا من رضي الله عنه . فقال له أبي بكر رضي الله عنه : كيف العدد فيكم ؟ فقال له أبو بكر مفروق : إنا لنزيد على الألف ، ولن تغلب الألف من قلة . فقال : كيف المنعة فيكم ؟ فقال أبو بكر مفروق : علينا الجهد ولكل قوم جد . فقال : فكيف الحرب بينكم وبين عدوكم ؟ فقال أبو بكر مفروق : إنا لأشد ما نكون غضبا حين نلقى وإنا لأشد ما نكون لقاء حين نغضب ، وإنا لنؤثر الجياد على الأولاد والسلاح على اللقاح ، والنصر من عند الله ، يديلنا مرة ، ويديل علينا أخرى ، لعلك أخو قريش ؟ فقال : أوقد بلغكم أنه رسول الله ؟ فها هو ذا . فقال أبو بكر مفروق : قد بلغنا أنه يذكر ذلك ، فإلام تدعو يا أخا قريش ؟ فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : أدعو إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأني رسول الله ، وإلى أن تؤوني وتنصروني ، فإن قريشا قد تظاهرت على أمر الله وكذبت رسله ، واستغنت بالباطل عن الحق ، والله هو الغني الحميد . فقال مفروق إلام تدعو أيضا [ ص: 259 ] يا أخا قريش ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون ) فقال مفروق : وإلام تدعو أيضا يا أخا قريش ؟ فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ) فقال مفروق : دعوت والله يا أخا قريش إلى مكارم الأخلاق ، ومحاسن الأعمال ، ولقد أفك قوم ، كذبوك ، وظاهروا عليك . وكأنه أراد أن يشركه في الكلام هانئ بن قبيصة ، فقال : وهذا هانئ بن قبيصة شيخنا وصاحب ديننا . فقال هانئ : قد سمعنا مقالتك يا أخا قريش ، وإني أرى أن تركنا ديننا واتباعنا إياك على دينك لمجلس جلسته إلينا ليس له أول ولا آخر : زلة في الرأي ، وقلة نظر في العاقبة ، وإنما تكون الزلة مع العجلة ، ومن ورائنا قوم نكره أن نعقد عليهم عقدا ، ولكن نرجع وترجع ، وننظر وتنظر ، وكأنه أحب أن يشركه في الكلام المثنى بن حارثة . فقال : وهذا المثنى بن حارثة شيخنا ، وصاحب حربنا . فقال المثنى : قد سمعت مقالتك يا أخا قريش ، والجواب هو جواب هانئ بن قبيصة : في تركنا ديننا ، واتباعنا دينك لمجلس جلسته إلينا ليس له أول ولا آخر ، وإنا إنما نزلنا بين صريي اليمامة والسمامة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هذان الصريين ؟ فقال أنهار كسرى ومياه العرب . فأما ما كان من أنهار كسرى فذنب صاحبه غير مغفور وعذره غير مقبول ، وأما ما كان من مياه العرب فذنب صاحبه مغفور وعذره مقبول ، وإنا إنما نزلنا على عهد أخذه علينا كسرى أن لا نحدث حدثا ولا نؤوي محدثا ، وإني [ ص: 260 ] أرى أن هذا الأمر الذي تدعونا إليه أنت ، هو مما تكرهه الملوك ، فإن أحببت أن نؤويك وننصرك ، مما يلي مياه العرب فعلنا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أسأتم في الرد إذ أفصحتم بالصدق ، وإن دين الله لن ينصره إلا من حاطه من جميع جوانبه . أرأيتم إن لم تلبثوا إلا قليلا حتى يورثكم الله أرضهم وديارهم وأموالهم ويفرشكم نساءهم ؟ أتسبحون الله وتقدسونه ؟ فقال النعمان بن شريك : اللهم لك ذا . فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ) ثم نهض رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بيدي فقال : يا يا أبا بكر أبا حسن أية أخلاق في الجاهلية ؟ ! ما أشرفها ! بها يدفع الله بأس بعضهم عن بعض ، وبها يتحاجزون فيما بينهم .
قال : ثم دفعنا إلى مجلس الأوس والخزرج ، فما نهضنا حتى بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم ، وكانوا صدقا صبرا .
ولم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك كله يدعو إلى دين الله ، ويأمر به كل من لقيه ورآه من العرب ، إلى أن قدم سويد بن الصامت ، أخو بني عمرو بن عوف من الأوس ، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام فلم يبعد ولم يجب ، ثم انصرف إلى يثرب فقتل في بعض حروبهم .
[ ص: 261 ] قال : فإن كان رجال من قومه ليقولون إنا نراه قد قتل وهو مسلم . وقدم ابن إسحاق مكة أبو الحيسر أنس بن رافع في فتية من قومه بني عبد الأشهل ، يطلبون الحلف ، فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام . فقال رجل منهم اسمه إياس بن معاذ ، وكان شابا : يا قوم ، هذا والله خير مما قدمنا له . فضربه أبو الحيسر وانتهره فسكت . ثم لم يتم لهم الحلف فانصرفوا إلى بلادهم ، ومات إياس بن معاذ ، فقيل : إنه مات مسلما .
[ ص: 262 ]