قال وكان منزلهم في دار ابن إسحاق : بنت الحارث ، امرأة من الأنصار ، ثم من بني النجار ، فحدثني بعض علمائنا من أهل المدينة ، أن بني حنيفة أتت به رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، تستره [ ص: 316 ] بالثياب ، ورسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، جالس في أصحابه ، معه عسيب من سعف النخل ، في رأسه خويصات ، فلما انتهى إلى رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، وهم يسترونه بالثياب ، كلمه وسأله ، فقال له رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : "لو سألتني هذا العسيب ما أعطيتكه" .
قال وقد حدثني شيخ من ابن إسحاق : بني حنيفة من أهل اليمامة ، أن حديثه كان على خلاف هذا ، أن وفد بني حنفية أتوا رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، وخلفوا مسيلمة في رحالهم ، فلما أسلموا ذكروا مكانه ، فقالوا : يا رسول الله ، إنا قد خلفنا صاحبا لنا في رحالنا وفي ركابنا يحفظها لنا . قال : فأمر له رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، بمثل ما أمر به للقوم وقال : "أما إنه ليس بشركم مكانا" . - أي : لحفظه ضيعة أصحابه - ذلك الذي يريد رسول الله ، صلى الله عليه وسلم .
قال : ثم انصرفوا عن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، وجاؤوه بما أعطاه ، فلما انتهوا إلى اليمامة ارتد عدو الله وتنبأ وتكذب لهم ، وقال : إني وقد أشركت في الأمر معه ، وقال لوفده الذين كانوا معه : ألم يقل لكم حين ذكرتموني له : أما إنه ليس بشركم مكانا ؟ ما ذاك إلا لما كان يعلم أني قد أشركت في الأمر معه . ثم جعل يسجع لهم ، ويقول لهم فيما يقول - مضاهاة للقرآن - : لقد أنعم الله على الحبلى ، أخرج منها نسمة تسعى ، من بين صفاق وحشا . وأحل لهم الخمر والزنا ، ووضع عنهم الصلاة ، وهو مع ذلك يشهد لرسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، أنه نبي ، فأصفقت معه حنيفة على ذلك ، فالله أعلم أي ذلك كان .
قلت : كان مسيلمة صاحب نيروجات ، يقال : إنه أول من أدخل البيضة في القارورة ، وأول من وصل جناح الطائر المقصوص ، وكان يدعي أن ظبية تأتيه من الجبل فيحلب لبنها . قتله رضي الله عنه ، يوم زيد بن الخطاب ، اليمامة ، وقال رجل من بني حنيفة يرثيه : [ ص: 317 ]
لهفي عليك أبا ثمامه لهفي على ركني شمامه كم آية لك فيهم
كالشمس تطلع من غمامه