قال عثمان: فلما وليت ناداني فرجعت إليه، فقال: ألم يكن الذي قلت لك؟ قال: فذكرت قوله لي بمكة قبل الهجرة: لعلك سترى هذا المفتاح يوما بيدي أضعه حيث شئت. فقلت: بلى أشهد أنك رسول الله.
وروينا عن أن سعيد بن المسيب العباس تطاول يومئذ لأخذ المفتاح في رجال من بني هاشم، فدفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان.
ودخل النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم يومئذ الكعبة ومعه فأمره أن يؤذن، بلال ، وأبو سفيان بن حرب وعتاب بن أسيد ، والحارث بن هشام جلوس بفناء الكعبة، فقال عتاب: لقد أكرم الله أسيدا أن لا يكون سمع هذا، فيسمع منه ما يغيظه. فقال الحارث: أما والله لو أعلم أنه حق لاتبعته. فقال لا أقول شيئا، لو تكلمت لأخبرت عني هذه الحصباء. فخرج عليهم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لهم: لقد علمت الذي قلتم، ثم ذكر ذلك لهم، فقال أبو سفيان: الحارث ، وعتاب: نشهد أنك رسول الله، والله ما اطلع على هذا أحد كان معنا فنقول أخبرك.
وروينا عن من طريق ابن إسحاق زياد البكائي، قال: حدثني ، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري أبي شريح الخزاعي، قال: عمرو بن الزبير مكة لقتال أخيه جئته، فقلت له: يا هذا إنا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين افتتح عبد الله بن الزبير مكة، فلما كان الغد من يوم الفتح عدت خزاعة على رجل من هذيل فقتلوه وهو مشرك، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا خطيبا، فقال: يا أيها الناس إن الله تعالى حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض فهي حرام من حرام إلى يوم القيامة، فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك فيها دما، ولا يعضد بها شجرا. الحديث. وفيه: فقال عمرو ، لأبي شريح: انصرف أيها الشيخ فنحن أعلم بحرمتها منكم، إنها لا تمنع سافك دم، ولا خالع طاعة، ولا مانع جزية.. الحديث. لما قدم
[ ص: 242 ] قلت: الذي وقع في الصحيح أن هذا الخبر لعمرو بن سعيد بن العاص مع أبي شريح لا لعمرو بن الزبير وهو الصواب. والوهم فيه عن من دون وقد رواه ابن إسحاق. عنه على الصواب. يونس بن بكير
وحين افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وقف على الصفا يدعو وقد أحدقت به الأنصار، فقالوا فيما بينهم: أترون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ فتح الله عليه أرضه وبلده يقيم بها؟ فلما فرغ من دعائه، قال: ماذا قلتم؟ قالوا: لا شيء يا رسول الله. فلم يزل بهم حتى أخبروه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: معاذ الله المحيا محياكم والممات مماتكم. ذكره ابن هشام، وذكر أن فضالة بن عمير بن الملوح أراد قتل النبي صلى الله عليه وسلم وهو يطوف بالبيت عام الفتح، فلما دنا منه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفضالة؟ قال: نعم، فضالة يا رسول الله. قال: ماذا كنت تحدث به نفسك؟ قال: لا شيء، كنت أذكر الله، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: استغفر الله، ثم وضع يده على صدره فسكن قلبه. فكان فضالة يقول: والله ما رفع يده عن صدري حتى ما خلق الله شيئا أحب إلي منه. قال فضالة: فرجعت إلى أهلي فمررت بامرأة كنت أتحدث إليها، فقالت: هلم إلى الحديث. فقلت: لا، وانبعث فضالة يقول:
قالت هلم إلى الحديث فقلت لا يأبى عليك الله والإسلام لو ما رأيت محمدا وقبيله
بالفتح يوم تكسر الأصنام لرأيت دين الله أضحى بينا
والشرك يغشى وجهه الإظلام
وكانت أم حكيم بنت الحارث بن هشام تحت فأسلمت واستأمنت له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمنه، فلحقته عكرمة بن أبي جهل، باليمن، فردته، وأقرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وصفوان على نكاحهما الأول.
[ ص: 243 ] قال ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن سعد: تميم بن أسد الخزاعي فجدد أنصاب الحرم، وحانت الظهر فأذن فوق ظهر بلال الكعبة، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تغزى قريش بعد هذا اليوم إلى يوم القيامة - يعني على الكفر - ووقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحزورة، فقال: إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلي، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت. وبث رسول الله صلى الله عليه وسلم السرايا إلى الأصنام التي حول مكة فكسرها، منها العزى ومناة وسواع وبوانة وذو الكفين، ونادى مناديه بمكة: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدع في بيته صنما إلا كسره. [ ص: 244 ]