وروينا عن  الشافعي :  حدثنا الحسين بن عبد الله القطان  بالرقة ،  حدثنا  عمر بن حفص  ، حدثنا أبو عبد الصمد العمي  ، حدثنا  أبو عمران الجوني ،  عن عبد الله بن الصامت ، عن  أبي ذر ،  قال : قال لي رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : "إذا طبخت فأكثر المرق ، واقسم في أهلك وجيرانك" . رواه  مسلم  ، عن أبي كامل  ، وإسحاق بن إبراهيم  ، عن  عبد العزيز بن عبد الصمد  ، عن  أبي عمران  به . 
وكان ، صلى الله عليه وسلم ، أشجع الناس ، سئل البراء   : أفررتم يوم حنين  ؟ قال : لكن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، لم يفر . وفيه : فما رئي يومئذ أحد كان أشد منه .  
وقال  ابن عمر :  ما رأيت أشجع ولا أنجد ولا أجود ولا أرضى من رسول الله ، صلى الله عليه وسلم .  [ ص: 436 ] 
وعن  أنس   : كان النبي ، صلى الله عليه وسلم ، أحسن الناس ، وأجود الناس ، وأشجع الناس ، لقد فزع أهل المدينة  ليلة ، فانطلق ناس قبل الصوت ، فتلقاهم رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، راجعا قد سبقهم إلى الصوت ، واستبرأ الخبر على فرس لأبي طلحة ،  عري ، والسيف في عنقه ، وهو يقول : "لن تراعوا" .  
وقال  عمران بن حصين :  ما لقي النبي ، صلى الله عليه وسلم ، كتيبة إلا كان أول من يضرب . 
وقال  علي بن أبي طالب   : كنا إذا حمي - أو اشتد - البأس واحمرت الحدق اتقينا برسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه ، ولقد رأيتني يوم بدر  ونحن نلوذ برسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، وهو أقربنا إلى العدو ، وكان من أشد الناس يومئذ بأسا .
وقيل : كان الشجاع هو الذي يقرب منه ، صلى الله عليه وسلم ، لقربه من العدو . 
وكان ، صلى الله عليه وسلم ، أشد الناس حياء ، وأكثرهم عن العورات إغضاء ،  قال الله تعالى : ( إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق   ) . وعن  أبي سعيد الخدري ،  كان رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، أشد حياء من العذراء في خدرها ، وكان إذا كره شيئا عرفناه في وجهه  . . . الحديث . 
وعن  عائشة :  كان رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، إذا بلغه عن أحد ما يكرهه لم يقل : ما بال فلان يقول كذا ؟ ولكن يقول : "ما بال أقوام يصنعون أو يقولون كذا ؟" . ينهى عنه ولا يسمي فاعله .  [ ص: 437 ] 
وعن  أنس  في حديث ، أنه ، عليه الصلاة والسلام ، كان لا يواجه أحدا بما يكره . 
وعن  عائشة :  لم يكن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، فاحشا ولا متفحشا ، ولا سخابا بالأسواق ، ولا يجزي بالسيئة السيئة ، ولكن يعفو ويصفح   . 
وعنها : ما رأيت فرج رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، قط . 
وروي عنه أنه كان في حيائه لا يثبت بصره في وجه أحد ، وأنه كان يكني عن ما اضطره الكلام إليه مما يكره . 
* وكان ، صلى الله عليه وسلم ، أوسع الناس صدرا ، وأصدق الناس لهجة ، وألينهم عريكة ، وأكرمهم عشرة ، هذا من كلام علي  في صفته . 
وعن قيس بن سعد ،  قال : زارنا رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فلما أراد الانصراف ، قرب له سعد  حمارا وطأ عليه بقطيفة ، فركب رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، ثم قال سعد   : يا قيس  ، اصحب رسول الله ، صلى الله عليه وسلم . قال قيس   : فقال لي رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : "اركب" . فأبيت ، فقال : "إما أن تركب وإما أن تنصرف" . فانصرفت . وفي رواية :  "اركب أمامي ، فصاحب الدابة أحق بمقدمها" . 
وعن  عائشة  في حديث عنه ، صلى الله عليه وسلم ، أنه ما دعاه أحد من أصحابه ولا أهل بيته إلا قال : "لبيك" .  [ ص: 438 ] 
وقال جرير   : ما حجبني رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، منذ أسلمت ، ولا رآني إلا تبسم . 
* وكان ، صلى الله عليه وسلم ، يمازح أصحابه ، ويخالطهم ، ويحادثهم ، ويداعب صبيانهم ،  ويجلسهم في حجره ، ويجيب دعوة الحر والعبد والأمة والمسكين ، ويعود المرضى في أقصى المدينة ،  ويقبل عذر المعتذر . 
قال  أنس :  ما التقم أحد أذن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، فينحي رأسه ، حتى يكون الرجل هو الذي ينحي رأسه ، وما أخذ آخذ بيده فيرسل يده ، حتى يرسلها الآخذ . ولم ير مقدما ركبتيه بين يدي جليس له . 
* وكان يبدأ من لقيه بالسلام ، ويبدأ أصحابه بالمصافحة ، لم ير قط مادا رجليه بين أصحابه ، حتى لا يضيق بهما على أحد ، يكرم من يدخل عليه ، وربما بسط له ثوبه ، ويؤثره بالوسادة التي تحته ، ويعزم عليه في الجلوس عليها إن أبى ، ويكني أصحابه ، ويدعوهم بأحب أسمائهم تكرمة لهم ، ولا يقطع على أحد حديثه . 
وروي أنه كان لا يجلس إليه أحد ، وهو يصلي إلا خفف صلاته ، وسأله عن حاجته ، فإذا فرغ عاد إلى صلاته . 
* وكان أكثر الناس تبسما ، وأطيبهم نفسا ، ما لم ينزل عليه قرآن ، أو يعظ ، أو يخطب ، قال  عبد الله بن الحارث :  ما رأيت أحدا أكثر تبسما من رسول الله ، صلى الله عليه وسلم . 
* وأما شفقته ، صلى الله عليه وسلم ، على خلق الله ورأفته بهم ، ورحمته لهم ،  فقد قال الله تعالى فيه : ( عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم   ) ، وقال : ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين   ) . قال بعضهم : من فضله ، عليه الصلاة والسلام ، أن الله أعطاه اسمين من أسمائه ، فقال : ( بالمؤمنين رؤوف رحيم   ) .  [ ص: 439 ] 
ومن ذلك : تخفيفه وتسهيله عليهم ، وكراهته أشياء مخافة أن تفرض عليهم ، كقوله :  "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء" ، وخبر صلاة الليل ، ونهيهم عن الوصال ، وكراهية دخول الكعبة  لئلا يعنت أمته ، ورغبته لربه أن يجعل سبه ، ولعنه لهم رحمة ، وأنه كان يسمع بكاء الصبي فيتجوز في صلاته ، ولما كذبه قومه أتاه جبريل ،  عليه السلام ، فقال : إن الله ، تعالى ، قد سمع قول قومك لك ، وما ردوا عليك ، وقد أمر ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم ، فناداه ملك الجبال وسلم عليه ، وقال : مرني بما شئت ، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين ، قال النبي ، صلى الله عليه وسلم : "بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئا" . 
وروى  ابن المنكدر ،  أن جبريل ،  عليه السلام ، قال للنبي ، صلى الله عليه وسلم : إن الله أمر السماء والأرض والجبال أن تطيعك ، فقال : "أؤخر عن أمتي ، لعل الله أن يتوب عليهم" . 
قالت  عائشة   : ما خير رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، بين أمرين إلا اختار أيسرهما .  
وقال  ابن مسعود :  كان رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يتخولنا بالموعظة مخافة السآمة علينا .  
وروي أنه ، عليه الصلاة والسلام ، قال :  "لا يبلغني أحد منكم عن أحد من أصحابي شيئا ، فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر" .  [ ص: 440 ] 
وكان ، صلى الله عليه وسلم ، أوصل الناس للرحم ، وأقومهم بالوفاء وحسن العهد . 
روينا من طريق  أبي داود  ، حدثنا  محمد بن يحيى  ، حدثنا  محمد بن سنان  ، حدثنا  إبراهيم بن طهمان  ، عن بديل  ، عن  عبد الكريم  ، عن عبد الله بن شقيق ،  عن أبيه ، عن عبد الله بن أبي الحمساء ،  قال : بايعت النبي ، صلى الله عليه وسلم ، ببيع قبل أن يبعث ، وبقيت له بقية ، فوعدته أن آتيه بها في مكانه ، ثم نسيت ، ثم ذكرت بعد ثلاث ، فجئته فإذا هو في مكانه ، فقال : "يا فتى ، لقد شققت علي ، أنا هاهنا منذ ثلاث أنتظرك" . 
وعن  أنس   : كان النبي ، صلى الله عليه وسلم ، إذا أتي بهدية ، قال : "اذهبوا بها إلى بيت فلانة ، فإنها كانت صديقة  لخديجة ،  إنها كانت تحب  خديجة" ،  ودخلت عليه امرأة فهش لها ، وأحسن السؤال عنها ، فلما خرجت ، قال : "إنها كانت تأتينا أيام  خديجة  وإن حسن العهد من الإيمان"   . 
وقال عليه الصلاة والسلام :  "إن آل أبي فلان ، ليسوا لي بأولياء ، غير أن لهم رحما سأبلها ببلالها"  . 
وعن  أبي قتادة :  وفد وفد للنجاشي  ، فقام النبي ، صلى الله عليه وسلم ، يخدمهم ، فقال له أصحابه : نكفيك . فقال : "إنهم كانوا لأصحابنا مكرمين ، وإني أحب أن أكافئهم" . 
ولما جيء بأخته من الرضاعة الشيماء  في سبي هوازن  ، بسط لها رداءه ، وخيرها بين المقام عنده والتوجه إلى أهلها ، فاختارت قومها ، فمتعها . 
وكان ، صلى الله عليه وسلم ، أشد الناس تواضعا على علو منصبه ،  فمن ذلك أن الله خيره بين أن يكون نبيا ملكا أو نبيا عبدا ، فاختار أن يكون نبيا عبدا ، فقال له إسرافيل  عند ذلك : فإن  [ ص: 441 ] الله قد أعطاك بما تواضعت له ، أنك سيد ولد آدم  يوم القيامة ، وأول من تنشق عنه الأرض ، وأول شافع . 
وخرج على قوم من أصحابه فقاموا له ، فقال :  "لا تقوموا كما تقوم الأعاجم يعظم بعضها بعضا ، وقال :  "إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد ، وأجلس كما يجلس العبد" . وكان يركب الحمار ، ويردف خلفه ، ويعود المساكين ، ويجالس الفقراء ، ويجيب دعوة العبد ، ويجلس بين أصحابه مختلطا بهم ، حيث ما انتهى به المجلس جلس ، وقال لامرأة أتته في حاجة : "اجلسي يا أم فلان في أي طرق المدينة  شئت أجلس إليك حتى أقضي حاجتك" ، فجلست وجلس . وكان يدعى إلى خبز الشعير والإهالة السنخة فيجيب ، وحج على رحل رث عليه قطيفة ما تساوي أربعة دراهم ، وأهدى في حجه ذلك مائة بدنة ، وكان يبدأ من لقيه بالسلام . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					