1- الجهل بالآخر:
إن نظـرة الغرب والشـرق، كل إلى الآخـر مشـوبة عموما بانطباعات ترتبط بترسبات سابقة وتوجهات خاصة ببعض الفئات كالمتطرفين من الطرفين [1] . ولم تكن تؤدي بطبيعة الحال إلى بناء علاقات قائمة على المودة والاحترام المتبادل، بل عززت مسار تفاعل سلبي لا يمكن أن يقود إلا إلى الصراع.
إن فكرة الصراع بينهما مبنية في أحد جوانبها على الجهل القائم بين أشخاص ذوي خلفيات ثقافية متباينة، ليس من المتصور أن يتوصلوا إلى كشف وفهم القيم المشتـركة فيما بينهم. وقد بين تقرير "آنا ليندا" أن شخصـا واحـدا من بين ثلاثة أو أربعـة أشخاص من سكان إحدى ضفتـي البحر المتوسط، على سبيل المثال، أتيحت لهم في العام الماضي فرصة لقاء أشخاص من الضفـة الأخرى، ومع ذلك يوجد سوء فهم وغياب معرفة الشعوب لبعضها البعض، خاصة فيما يتعلق بتصور كل منهما لنظام قيم الآخر
[2] . [ ص: 80 ]
ويرتبـط ذلك بطبيعـة الحال بالمصادر الخاصة بتشكيل الثقافة، كالـدين والأيديولوجيا ووسـائل الإعـلام. فقـد كان للمسيحية الغربية دور مهم في تكوين التصـورات المغـلوطة عن الإسلام. كما ركزت الصهيـونية على فكرة معـاداته للديمـقراطية، وتشجيعـه للعمل الفردي وعدم المساواة بين المسلمين وغيرهم. وكان للإعلام الغربي دور كبير في التأثير على تكوين رؤية مشوهة عنه، مستغلة الجهل به وتصويره كخصم دائم للغرب وحضارته [3] .
ويبين التقرير المشار إليه أن معظم المواطنين جنوب وشرق المتوسط يعطـون الدين القيمـة الأولى أو الثـانية من حيث الأهميـة، ويحرصـون على نقـله إلى أبنائـهم. وبخـلاف ذلك، يضعـه الأوروبيـون ضمـن القيم الأقل أهمية بالنسبة لمجموع القيم الأخرى، التي يرغبون في غرسها في نفوس أبنائهم [4] .
الغربيون عموما يجهلون الإسلام فينظرون إليه على أنه دين صدامي يشـكل خطـرا يهـدد العـالم الحر. ويشير أحد التقارير أن المجتمعات [ ص: 81 ] الأورو متوسطية، على سبيـل المثـال، تعـاني من تصـورات مشـوهة ونمطية عن بعضها بعـضا، وذلك رغـم زيادة الاحتـكاك فيمـا بيـنها، وأن أكثر الاختـلافات بين الشـعوب الأوروبية، من جهـة، وشعـوب جنـوب وشرق المتوسـط، من جهـة أخـرى، ترتبط بمدى الإحساس بأهمية القيم الدينية، فهي تلعب دورا محوريا في تحديد طبيعة العلاقات بين الثقافات المختلفة
[5] .
والشرقيون عموما ينطلقون في نظرتهم للغرب من منظور أخلاقي ثقافي مرتبط بالمنظور الديني الآيديولوجي، فيرونه إباحيا فاسقا ومفسدا مرتكبا للمعاصي، وشيطانا أكبر عندما يتعلق الأمر بالفرد والأسرة والمجتمع الغربي. ولذلك يعمل الإسلاميون جهدهم من أجل البقاء خارج دائرة التأثير الغربي في هذه المجالات [6] .
أما المتشـددون من الإسـلاميين، وهم فئـة قليلـة، فإنهم يتبنون موقفا سـلبيا من كل ما هو غير إسـلامي. فقـد اعتقـدوا أن العـالم [ ص: 82 ] يعيش حيـاة جاهـلية، من إلحاد وعلمانيـة، وأن القوى غير الإسلامية تحارب الإسلام، والعلاقات بين المسلمين وغيرهم تقوم على محاولات الإخضاع أو التصفية.
ويترتب على جهل الغرب بالإسلام نتائج خطيرة، لعل أبرزها تجاهل الحضارة الإسلامية، والنظر إليها بازدراء. وهناك الكثير من الأمثلة، التي تدلل على ذلك، يكفي أن نشير إلى بعضها.
لقد تجـاهل "جـورج و. هيغل George w.Hegel"، مثلا، الحضـارة الإسـلامية عند تحليل الحضارات السابقة
[7] . وصور اللورد "كرومر Lord Cromer" الشرقيين على أنـهم سـذج. وازدراهـم "برنارد لويس Bernard Lewis"، عندما قال: إنهم "..قوم فاسدون مفسـدون فوضويون، لا يمكن تحضرهم، وإذا تركوا لأنفسهم فسوف يفاجئون العالم المتحـضر بموجـات بشرية إرهـابية تدمر الحضارات، وتقوض المجتمعات.."
[8] .
وترتب على موقف المتشددين الإسلاميين حدوث أعمال عدائية ضد الغربين ومصالحهم في مناطق مختلفة من العالم. [ ص: 83 ]
وفي أواخر القرن الماضي أخذ يتكرر الحديث بكثرة عن التطرف والعنف الإسلامي، ومع أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م أخذ الغرب ينظر إلى العالم الإسلامي باعتباره بؤرة للإرهاب.