2- تعاون سلمي:
لقد جرى تقدير قيمة التعاون الدولي بعد أن ظهرت أهمية ومكانة المنظمات والمؤسسات الإقليمية والدولية على المسرح الدولي، وبخاصة في المجال الاقتصادي ومع الاستفادة من تقدم وسائل الاتصال وسهولة تبادل المعلومات، الأمر الذي أدى إلى خلق بيئة دولية مشتركة تقوم على التواصل والتقارب بين الشعوب والدول في عالم أصبح يوصف بالقرية العالمية. وهذا يعني أن التكامل يفـترض وجود مستوى من العلاقات بين الدول، بحيث أنها لم تعد تضع في حسابها احتمال نشوب الحروب فيما بينها، وتتجه فعلا نحو التقارب وتتحدث عن السلام [1] . [ ص: 40 ]
مما سبق يمكن ملاحظة أنه ليس من السهل تحقيق التعاون، والأكثر من ذلك صعوبة استمراره في ظل وجود العديد من العوامل المعرقلة، كاستقلالية سلطة الدولة. ولذلك تبدو في هذا المجال أهمية حرص الأطراف المعنية على الكشف عن القواسم، التي ترتبط بالمصالح المشتركة فيما بينهم، غير أن من المؤكد أنه يجري في سياق التفاعل الودي.
ومما لا شك فيه أن التكامل يسمح بارتباط المجتمعات البشرية، بعضها البعض، وبخاصة في المجال الاقتصادي. وهو لذلك لابد أن يرتكز على الاعتماد المتبادل، الذي يدفع نحو تطور الاقتصاد الرأسمالي. وهذا ما دفع الغرب إلى خلق مؤسسات اقتصادية دولية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية، وسوق دولية ذات تأثير مباشر على العلاقات الدولية.
لابد بداية أن نتذكر أن مفهوم "الاعتماد المتبادل" ليس حديثا، فقد جرى تداوله كمفهوم نسبي في نطاق قدرات النظم السياسية، وذلك من منطلق أن قدرة الدول على التأثير في غيرها تتفاوت من دولة لأخرى. فالدول الأقوى نفوذا تستطيع رسم خطوط سياستها الخارجية مع القليل من الاعتماد على الدول الأخرى. لذلك يمكن القول: إن هذا المفهوم يفترض وجود دول تمتلك قوة متقاربة ولها تأثير كبير على بعضها البعض [2] . [ ص: 41 ]
وقد أخذ هذا المفهوم يشير، في الربع الأخير من القرن الماضي، إلى علاقات اقتصادية دولية متشابكة، تتميز بالتأثيرات المتبادلة بين الاقتصاديات القومية المرتبطة بنمو المبادلات وبتعددية الروابط بين الفاعلين في مختلف المناطق على المسرح الدولي. و من المفيد النظر إلى الاعتماد المتبادل من هذه الزاوية، لاسيما بعد أن بات واضحا أن الاعتماد الاقتصادي بين الدول هو في تزايد مستمر.