ص ( وباب بسكة نفذت )
ش : يعني أن [ ص: 166 ] من فإن ذلك له ، ولا يمنع من ذلك وظاهره ، ولو كان في مقابلة باب جاره وسواء كانت السكة واسعة ، أو ضيقة ، وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله ، والسكة بكسر السين المهملة الزقاق قاله في الصحاح والنافذة بالذال المعجمة هي التي يخرج منها من طرفيها واحترز بقوله : نفذت عن السكة التي ليست بنافذة وهي التي تكون منسدة من أحد الطرفين قال أراد أن يفتح لداره بابا في سكة نافذة : والطريق المنسدة الأسفل كالملك لأرباب دورها قال ابن الحاجب ابن عبد السلام إنما جعل الجانب المنسد من أسفلها ، وإن أمكن أن يكون أعلاها في المكان ; لأنه غاية تلك الطريق فشبه أولها بالأعلى وأقصاها بالأسفل ; لأنها كالوعاء لمن دخل فيها انتهى .
فإذا كانت السكة غير نافذة فليس له أن يفتح فيها بابا بغير إذن أهل السكة إلا إذا كان منكبا عن باب جاره المقابل له كما سيصرح بذلك المصنف في قوله : إلا بابا إن نكب ، وسيأتي الكلام عليه بعد ذكر كلام المدونة ، وكلام ابن رشد إن شاء الله وما ذكره المصنف في المسألتين هو مذهب المدونة قال في آخر كتاب القسمة منها وليس لك أن تفتح في سكة غير نافذة بابا يقابل باب جارك ، أو يقاربه ، ولا تحول بابا لك هنالك إذا منعك ; لأنه يقول الموضع الذي تريد أن تفتح فيه بابك لي فيه مرفق أفتح فيه بابي وأنا في سترة ، ولا أدعك تفتح قبالة بابي ، أو قربه فتتخذ علي فيه المجالس وشبه هذا ، فإذا كان هذا ضررا فلا يجوز أن تحدث على جارك ما يضره ، وأما في السكة النافذة فلك أن تفتح ما شئت ، وتحول بابك حيث شئت منها انتهى .
وقال ابن رشد في سماع عبد الملك الملقب بزونان من كتاب السلطان بعد أن ذكر الخلاف في المسألتين : فيتحصل في فتح الباب وتحويله عن موضعه في الزقاق الذي ليس بنافذ ثلاثة أقوال أحدها أن ذلك لا يجوز بحال إلا بإذن جميع أهل الزقاق وهو الذي ذهب إليه ابن زرب قياسا على مسألة المدونة في الدار الكبيرة وبه جرى العمل بقرطبة ، والثاني أن ذلك له فيما لم يقابل باب جاره ، ولا قرب منه ، فقطع به مرفقا عنه وهو قول ابن القاسم في المدونة ، وقول ههنا ، والثالث أن له تحويل بابه على هذه الصفة إذا سد الباب الأول ، وليس له أن يفتح فيه بابا لم يكن قبل بحال وهو دليل قول ابن وهب ههنا ويتحصل في فتح الرجل بابا ، أو حانوتا في مقابلة باب جاره في الزقاق النافذ ثلاثة أقوال أحدها أن ذلك له جملة من غير تفصيل وهو قول أشهب ابن القاسم في المدونة ، وقول ههنا ، والثاني أن ذلك ليس له جملة من غير تفصيل إلا أن ينكب وهو قول أشهب ورواه عنه ابنه سحنون محمد وابن حبيب ، والثالث أن ذلك له إذا كانت السكة واسعة وهو قول ههنا ، والسكة الواسعة ما كان فيها سبعة أذرع فأكثر لما جاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { ابن وهب } وقع ذلك في مسند : الطريق الميتاء سبعة أذرع من رواية ابن أبي شيبة فوجب أن يكون ذلك حد سعة الطريق انتهى . ابن عباس
ونقله الشيخ أبو الحسن في شرح كلام المدونة السابق ، وقال فيه : إلا بإذن جميع أهل الزنقة وهذه اللفظة يستعملها المغاربة بمعنى الزقاق وليست في كلام ابن رشد ، وقال في الصحاح الزنقة السكة الضيقة انتهى .
والقول الذي عزاه لابن زرب في السكة الغير النافذة عزاه أبو إسحاق لابن القاسم في كتاب البنيان ونصه : قال في كتاب البنيان : قال لسحنون ابن القاسم : ليس لك في زقاق غير نافذ أن تفتح بابا ، أو تقدمه ثم قال : وقال لا تفتح في غير النافذة شيئا بحال إلا أن يرضى الجماعة ( تنبيهات الأول ) تقدم أن ظاهر كلام سحنون المصنف أن له أن وسواء كانت السكة واسعة ، أو ضيقة ، وهذا ظاهر كلام المدونة السابق وصرح يفتح الباب في السكة النافذة ، ولو كان في مقابلة باب جاره ابن رشد بأن ذلك قول ابن القاسم في المدونة ، فإنه عزا القول بالتفصيل بين الواسعة والضيقة كما [ ص: 167 ] تقدم في كلامه ، وقال قبله : إن قول لابن وهب يخالف قول ابن وهب ابن القاسم وروايته عن في آخر كتاب القسمة إذ لم يشترط في المدونة سعة السكة وعلى كلام مالك ابن رشد اعتمد المصنف ، وصاحب الشامل فقال في الأمور التي لا يمنع منها : ولا من باب بسكة نافذة ، وإن ضاقت عن سبعة أذرع على الأصح ، وثالثها إن نكب عن باب جاره ، وإلا فلا انتهى .
إلا أنه قد يتبادر من كلام صاحب الشامل أن مقابل الأصح أنه يمنع من فتح الباب في السكة النافذة ، ولو كانت أكثر من سبعة أذرع وليس كذلك ، فتأمله وأما المتيطي فجعل قول في العتبية مقيدا لما في المدونة فقال : وأما فتح الأبواب في المحاج النافذة فروى ابن وهب ابن القاسم عن قولا مجملا أن ذلك مباح لمن شاء ويؤمر أن ينكب قليلا عن مقابلة باب دار جاره إلا أن تكون السكة واسعة جدا حتى لا يرى من الباب المفتوح إلا ما يرى من سلك الطريق فله أن يفتحه كيف شاء ، وقال قبله من فتح بابا في سكة نافذة فمنعه جاره وزعم أن في ذلك ضررا على جاره وشهدت البينة بأن الزقاق ضيق وأن من في أسطوان أحدهما ينظر من في أسطوان الآخر فإنه يحكم بغلق الباب المحدث ، وكلام مالك ابن رشد السابق يقتضي أن مذهب المدونة أنه لا يمنع من فتح الباب في الزقاق النافذ ، ولو كان من في أسطوان إحداهما ينظر من في أسطوان الأخرى وجواب ابن رشد في نوازله يقتضي أنه راعى ما في العتبية فإنه ذكر في مسائل الدعوى والخصومات من نوازله أنه سئل عن فأجاب إذا كان الأمر على ما وصفت فيؤمر أن ينكب بابه ، وحانوتيه عن مقابلة باب جاره فإن لم يقدر على ذلك ، ولا وجد إليه سبيلا ترك ولم يحكم عليه بغلقها انتهى . رجلين متجاورين بينهما زقاق نافذ فأحدث أحدهما في داره بابا ، أو حانوتين يقابل ذلك باب جاره ، ولا يكاد يدخل أحد من أهل داره ، ولا يخرج إلا على نظر من الذين يجلسون في الحانوتين المذكورين لعمل صناعتهم وذلك ضرر بين لصاحب الدار ، وعياله
فدل كلامه على أنه لو وجد سبيلا لتنكيب الباب ، والحانوتين عن باب جاره حكم عليه بذلك إذا ثبت أن على جاره في ذلك ضررا فيتحصل من كلامه أنه إذا لم يكن على جاره في ذلك ضرر فله أن يفتح الباب ، والحانوت قبالة باب جاره وأما إذا كان على جاره في ذلك ضرر فإن لم يمكنه التنكيب لم يحكم عليه ، وإن أمكنه ذلك حكم عليه به ، فتأمله والأسطوان بضم الهمزة وبعدها سين مهملة ساكنة هو الدهليز بكسر الدال المهملة ، ورأيته في المتيطية بالصاد المهملة فلعل ذلك لغة فيه ( الثاني ) قول المصنف في يقتضي أنه إذا كان الباب الذي يفتحه منكبا عن باب جاره الذي يقابله جاز فتحه ، ولو كان ذلك بقرب باب دار جاره الملاصق له بحيث إنه يضيق عليه فيما بينه وبين بابه ويقطع ارتفاقه بذلك ، وليس كذلك لما تقدم في كلام المدونة وكلام السكة التي ليست بنافذة إلا بابا إن نكب ابن رشد فلو قال المصنف : إلا بابا إن نكب ، ولم يضر بجار ملاصق لوفى بما في المدونة ، وبما في كلام ابن رشد .
( الثالث ) يدخل في كلام المصنف من فله ذلك إن كان منكبا عن باب جاره المقابل ولم يقرب من باب جاره الملاصق له لكن قيد ذلك في الشامل بما إذا كان قصده الارتفاق بذلك وأما إن جعل ذلك طريقا يدخل الناس من باب داره ، ويخرجون من هذا الباب المحدث فليس له ذلك وهو ظاهر ولم أر من صرح به ، ولكنه يؤخذ من مسألة المدونة الآتية ونص ما في الشامل : وغير النافذة كالملك لجميعهم فبالإذن إلا بابا إن نكب على الأصح ، وثالثا إن سد بابه الأول ونكب وإلا فلا ، ولا من فتح بابا آخر بظهر داره ليرتفق به إلا أن يجعله طريقا انتهى . له حائط في سكة غير نافذة وليس له فيها باب وأراد أن يفتح في حائطه بابا
( الرابع ) لم يذكر المصنف ، ولا غيره لكن قد تقدم في كلام [ ص: 168 ] قدر ما ينكب الباب عن باب جاره في السكة الغير النافذة ابن رشد عن أنه ليس له أن يفتح بابا في السكة النافذة إلا أن ينكبه ، ونقله سحنون أبو إسحاق التونسي في كتاب القسمة ثم قال : قيل له : ينكبه قدر ذراع ، أو ذراعين قال : قدر ما يرى أنه يزال به الضرر عن الذي قبالته انتهى .
ونقله ابن يونس وابن بطال في مقنعه ومثله يقال هنا ، والله أعلم .
( الخامس ) قال البرزلي في مسائل الضرر ناقلا عن نوازل ابن الحاج : إن من كان له حائط مصمة في سكة فكان ابن العطار يقول ليس له منع من أراد فتح باب في السكة حذاء حائطه ، وكان ابن عتاب يقول : له منعه كما لو كان له باب البرزلي قلت : هذا الذي يجري على الحق في الفناء هل يختص بمنفعته ، فيكون له حق في الزقاق ، أو لا فلا يكون له حق انتهى .
( قلت : ) سيأتي في كلام الشيخ أبي الحسن أن لكل واحد منهما أن يمنع صاحبه من أن يفتح بقرب جداره ; لأنه يقول أنا أريد أن أفتح أيضا في جداري فلا تقرب مني حتى لا تضيق علي ، فإما أن يفتحا جميعا ، أو يمنعا جميعا ، والله أعلم ( السادس ) قال ابن عرفة في إحياء الموات لما تكلم على السكة التي ليست بنافذة ونقل كلام ابن رشد السابق ما نصه : ولم يحك المتيطي إلا منع إحداث الباب ، أو تحويل القديم لقرب باب جداره بحيث يضره ذلك ثم قال : ولو حوله على بعد لم يكن له عليه قيام ; لأنه لم يزدهم شيئا على ما كان عليه انتهى .
( قلت : ) ما ذكره عن المتيطي هو في آخر كلامه وكرر الكلام فيه قبل ذلك وذكر أن ذلك هو الذي به القضاء ثم قال : قال الباجي وفي ذلك اختلاف ثم كتب في هامش النسخة وفي آخر كتاب القسمة من المدونة لابن القاسم أنه راعى الضرر في ذلك وكتب عليه أصل ، والله أعلم ( السابع ) تقدم أن ظاهر قول المصنف : إلا بابا إن نكب أنه لا فرق في ذلك بين السكة الطويلة والقصيرة ، وقال أبو الحسن : قوله في المدونة في السكة غير النافذة ظاهره طويلة كانت ، أو قصيرة ، والتفريق بين النافذة وغير النافذة إنما هو بعذر كثرة المرور فإذا كانت السكة طويلة كانت كالنافذة ، سئل الشيخ يعني نفسه عمن فقال ليس لهم منعه كما له هو أن يبني فيها ويسكن معه من شاء انتهى . له في أقصى هذه السكة غير النافذة قاعة هل له أن يكريها ممن يبنيها ، أو لأهل السكة منعه
وما ذكره لم أر من وافقه عليه وهو مخالف لما سيأتي في التنبيه الخامس عشر عن ابن يونس وابن بطال ( الثامن ) قال أبو الحسن أيضا : قوله في المدونة : لأنه يقول الموضع الذي تفتح فيه بابك لي فيه مرفق وأفتح فيه بابي وأنا في سترة الشيخ معنى ذلك أن الباب كان هناك مفتوحا لا أنه أراد إنشاء الباب ، وكأنه يقول أحل فيه بابي وأنا في سترة وأما لو أراد الإنشاء لكان للآخر أن يحتج عليه بهذه الحجة فلا يكون أحدهما ، أولى من الآخر فإما أن يمنعا جميعا ، أو يفتحا جميعا انتهى .
وقوله : أحل فيه بابي هذا اللفظ يستعمله المغاربة بمعنى أفتح بابي المغلوق ( التاسع ) قال ابن عرفة في إحياء الموات : ولما ذكر المتيطي الحديث السابق في تحديد الطريق قال : الميتاء الواسعة انتهى .
( قلت : ) ولم أقف على ما ذكره عن المتيطية بل رأيت في هامش نسخة منها : تأمل الميتاء ما هي ، وتفسير الميتاء بالواسعة قول ذكره في فتح الباري ، وغيره ولكنه خلاف المشهور عند أهل اللغة وأهل غريب الحديث قال في الصحاح في فصل الهمزة من باب المعتل : والميتاء الطريق العامرة ومجتمع الطريق أيضا ميتاء وسيراء انتهى . وقال المطرزي في المقرب : وطريق ميتاء تأتيه الناس كثيرا وهو مفعال من الإتيان ونظيره دار محلال التي تحل كثيرا ا هـ . وقال في النهاية في باب الميم مع التاء وفي حديث اللقطة ما وجدت في طريق ميتاء فعرفه سنة أي طريق مسلوك وهو مفعال من الإتيان والميم زائدة وبابه الهمزة انتهى . يعني أنه إنما ذكره في باب الميم تسهيلا على الطالب على عادته ، وقال النووي في تهذيب الأسماء واللغات في باب الميم وفي الحديث طريق ميتاء بكسر الميم وبعدها همزة [ ص: 169 ] وبالمد وتسهل فيقال ميتاء بياء ساكنة كما في نظائره قال صاحب المطالع معناه كثير السلوك عليه مفعال من الإتيان انتهى . وقال في فتح الباري في كتاب المظالم الميتاء بكسر الميم وسكون التحتانية بعد مثناة ومد بوزن مفعال من الإتيان ، والميم زائدة قال الميتاء أعظم الطرق وهي التي يكثر مرور الناس بها ، وقال غيره : هي الطريق الواسعة وقيل العامرة انتهى . وما ذكره من التشديد سهو يرده أبو عمرو الشيباني
قوله بوزن مفعال ولم يذكره أحد غيره ورأيته في البيان والمتيطية ومختصر ابن عرفة بالثاء المثلثة وليس بظاهر قال في الصحاح في فصل الميم من باب التاء الميتاء الأرض السهلة والجمع ميت مثل هيفاء وهيف انتهى ونحوه في القاموس ، وليس ذلك مرادا هنا .