الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( وإن استلحق غير ولد لم يرثه إن لم يك وارث ، وإلا فخلاف )

                                                                                                                            ش : اعلم أن النسخ اختلفت في قول المصنف إن لم يكن وارث ، ففي بعض النسخ الصحيحة يكن بلفظ [ ص: 245 ] المضارع وإسقاط لم وكتب عليها صاحبها إنها كذلك في نسخة مقابلة على خط المصنف وفي بعض النسخ إن كان وارث ، وهي صحيحة أيضا موافقة لما قبلها ، وهذا هو الموافق للنقل ، ولما قدمه المصنف في فصل اختلاف الزوجين ، وفي بعض النسخ إن لم يك بثبوت لم وهي غير صحيحة ; لأنها تؤدي عكس المراد والمعنى على النسخة الصحيحة أن من استلحق غير ولد لم يرث المستلحق الذي هو غير ولد هذا الذي استلحقه إن كان هناك وارث وإن لم يكن هناك وارث ، فخلاف هذا الذي فرضه أهل المذهب في صورة هذه المسألة .

                                                                                                                            وإن كان ظاهر كلام ابن الحاجب عكس هذا فقد قال ابن عبد السلام : إنما هذا إذا كان المقر ذا مال ومسألة المؤلف يعني ابن الحاجب بالعكس فتأمل ذلك انتهى ، ولكن الذي يظهر أنه لا فرق بينهما ; لأنه إذا قال هذا أخي وصدقه الآخر ، فكل منهما قد استلحق غير ولد ، ولهذا تركوا الكلام عليها ، فتأمل ذلك ( تنبيهات :

                                                                                                                            الأول ) : ظاهر قوله وارث أنه إذا كان له وارث معروف لم يرثه المستلحق ، وإن كان الوارث المعروف غير محيط بإرثه ، وليس كذلك بل الخلاف جار في ذلك أيضا قال ابن عرفة : إقرار من يعرف له وارث محيط ولو بولاء بوارث لغو اتفاقا وإن لم يكن له وارث محيط أو كان ولم يحط كذي بنت فقط ففي إعمال إقراره قولان لابن القاسم في سماعه من الاستلحاق مع ابن رشد عن قوله فيها مع غيرها وسحنون في نوازله والباجي عن مالك وجمهور أصحابه وأصبغ وأول قولي سحنون وثانيهما مع أشهب انتهى . وعلم من هذا قوة القول بالإرث وإن كان المتيطي جعله شاذا ; لأن ابن عرفة إنما عزا مقابله لقول سحنون الثاني : مع أشهب وعزا القول بالإرث للجماعة المذكورين قبله ، وقال في مختصر الحوفي وبه أفتى ابن عتاب وقال به العمل وقال المتيطي : وهو شاذ واستحسنه بعض القرويين في زمانه قائلا ليس ثم بيت مال انتهى . ونص المتيطية فإن كان المعروف النسب ذا فرض لا يستوعب المال ، فإنه يأخذ فرضه وما بقي لبيت مال المسلمين عند أهل المدينة أو رد على الوارث المعروف عند من يذهب إلى الرد ولا شيء للمقر له إلا في قولة شاذة وهي إحدى قولي ابن القاسم فإنه جعل ما بقي للمقر له إذا كان من العصبة انتهى .

                                                                                                                            ( الثاني ) : قال ابن عرفة : المعتبر في ثبوت الوارث وعدمه إنما هو يوم موت المقر لا يوم الإقرار قاله أصبغ في نوازله ولم يحك ابن رشد غيره انتهى ويشير إلى قوله في نوازل أصبغ من كتاب الاستلحاق فإن أقر بأن هذا الرجل وارثه وله ورثة معروفون فلم يمت المقر حتى مات ورثته المعروفون الذين كانوا يدفعون المقر له أيجعل المال لهذا المقر له قال : نعم ; لأنه ليس هناك وارث معروف يدفعه فكأنه إنما أقر له الساعة ، ولا وارث له انتهى .

                                                                                                                            ( الثالث ) : ظاهر كلام المصنف أن الميراث للمقر له على القول به دون يمين ، وهو كذلك فإن ابن رشد قال في رسم باع غلاما من سماع ابن القاسم من كتاب الاستلحاق : قد قيل إن الميراث لا يكون إلا بعد يمينه أن ما أقر به المتوفى حق ويقوم ذلك من كتاب الولاء وذكر ابن سهل أن مالكا كان يفتي به نقله عنه ابن عرفة وحصل في آخر كلامه في ذلك ثلاثة أقوال يفصل في الثالث بين أن يبين المقر وجه اتصاله بالمقر له في جد معين فلا يمين أو لا يبين ذلك فيجب اليمين وقال في مختصر الحوفي : وعلى القول بالقبول ، فعلى المقر له اليمين على حقيقة الإقرار وفاقا لابن العطار وابن مالك وخلافا لابن عتاب وأنكر ذلك ، ثم أفتى فيمن أقرت بابن عم أبيها في عقد ، ولم يرفع العاقد نسبها لجد واحد بيمين المقر له .

                                                                                                                            ( الرابع ) : إذا بين المقر له وجه نسبة المقر به إليه كقوله هذا أخي شقيقي أو لأب أو لأم فواضح وإن أجمل قال ابن عرفة : ففي ذلك اضطراب قال ابن رشد : والذي أقول به في هذه المسألة على مذهب ابن القاسم [ ص: 246 ] إذا قال فلان : وارثي ولم يفسر حتى مات إن له جميع الميراث إن كان المقر ممن يظن به أنه لا يخفى عليه من يرثه ممن لا يرثه ، وأما الجاهل الذي لا يعلم من يرثه ممن لا يرثه فقوله فلان وارثى حتى يقول : ابن عمي أو ابن ابن عمي أو مولاي أو أعتقني أو أعتق أبي أو أعتق من أعتقني أو ما أشبه ذلك ، وكذا إن قال : فلان أخي قاصدا للإشهاد له بالميراث كقوله أشهدكم أن هذا يرثني أو يقال له هل لك وارث فقال : نعم هذا أخي وشبه ذلك ، وأما إن قال من غير سبب هذا أخي أو فلان أخي ولم يزد على ذلك ، فلا يرث من ماله إلا السدس لاحتمال أن يكون أخا لأمه ، ولو لم يقل فلان أخي أو هذا أخي ، وإنما سمعوه يقول : يا أخي يا أخي لم يجب له بذلك ميراث ; لأن الرجل قد يقول أخي أخي لمن لا قرابة بينه وبينه إلا أن تطول المدة السنين ، وكل واحد يدعو صاحبه باسم الأخوة أو العمومة فإنهما يتوارثان انتهى .

                                                                                                                            ( الخامس ) : فإن مات المقر له في حياة المقر ، ثم مات المقر وقام أولاد المقر له بهذا الإقرار لم يجب لهم به ميراث المقر إذا لم يقر إلا للميت إلا أن يشهد أنه لم يكن باقيا في حين موته فولده المذكور بنو ابن عمه وورثه المحيطون بميراثه قاله في المتيطية وذكر ابن عرفة المسألة في الاستلحاق عن ابن سهل قائلا أفتى أكثر أهل بطليوس أن الولد يرث المقر وإن غير واحد من أهل بطليوس وابن مالك وابن عتاب أفتوا بأنه لا يرث والله أعلم .

                                                                                                                            ( السادس ) : قال ابن رشد في رسم باع غلاما من سماع ابن القاسم من كتاب الاستلحاق : لا يجوز الإقرار بوارث إذا كان له وارث معروف النسب أو ولاء إلا في خمسة مواضع الإقرار بولد أو ولد ولد أو أب أو جد أو زوجة إذا كان معها ولد فأما إذا أقر بولد ، فيلحق به نسبه في الموضع الذي ذكرنا على اتفاق واختلاف ، وأما إذا أقر بولد ولد ، فلا يلحق به إلا أن يقر به الولد ، فيكون هو مستلحقه أو يكون قد عرف أنه ولده ، فيكون إنما استلحق هو الولد ، وكذلك الولد إذا أقر بأب فلا يلحق به ، ويرثه إلا إذا أقر به الأب ، فيكون الأب هو الذي استلحقه ، وأما إذا أقر بجد فلا يلحق به إلا أن يقر الجد بابنه ، ويقر أبوه به فيكون كل واحد منهما قد استلحق ابنه ، وأما إذا أقر بزوجة لها ولد أقر به فإقراره بالولد يرفع التهمة بالزوجة ، فترثه وإن لم تثبت الزوجية ولا عرفت وبالله التوفيق . انتهى .

                                                                                                                            وانظر كلام ابن سهل وكلام ابن رشد في آخر كتاب الاستلحاق ومختصر الحوفي لابن عرفة .

                                                                                                                            ( السابع ) : فإن أقر هذا المشهود لآخر أنه وارثه أو لا وارث له غيره بعد إقراره الأول بطل الآخر أي الإقرار الثاني قاله في المتيطية ( الثامن ) : إذا لم يكن هناك وارث معروف ، ودفع للمستلحق على أحد المشهورين الميراث ، ثم جاء شخص وأثبت أنه وارث معروف ، فإنه يأخذ المال من المستلحق المذكور قاله في الجواهر والله أعلم

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية