ص ( ولزمت بما يدل عرفا )
ش : يعني أن حكم الشركة ابتداء الجواز ، فإذا انعقدت لزمت قال ابن عرفة : وحكمها الجواز كجزأيها البيع ، والوكالة وعروض ما يوجبها بعيد بخلاف موجب حرمتها ، وكراهتها ، ودليلها الإجماع في بعض صورها وحديث أبي داود بسنده إلى رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم { أبي هريرة } ذكره إن الله يقول أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما الآخر فإذا خانه خرجت من بينهما وصححه بسكوته عنه عبد الحق في مستدركه انتهى . والحاكم
وفي التوضيح الإجماع على جوازها من حيث الجملة انتهى .
وذكر صاحب المقدمات واللخمي وشراح المدونة آيات ، وأحاديث تدل على الأصل في الشركة كآية المواريث وقوله { ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء } وقوله { وإذا حضر القسمة } وحديث { } وحديث { أيما دار قسمت في الجاهلية } وغير ذلك ، وقال الشفعة في كل ما لم يقسم ابن عبد السلام : الأصل فيها قوله تعالى { فابعثوا أحدكم بورقكم } ، والحديث المتقدم ، وحديث السفينة وهو قوله عليه الصلاة والسلام { } قال مثل القائم على حدود الله والمدهن فيها كمثل قوم استهموا على سفينة في البحر فأصاب بعضهم أعلاها وأصاب بعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها يصعدون فيستقون الماء فيضيقون على الذين في أعلاها فقال الذين في أعلاها لا ندعكم تصعدون فتؤذوننا فقال الذين في أسفلها فإننا ننقبها من أسفلها فنستقي فإن أخذوا على أيديهم فمنعوهم نجوا جميعا ، وإن تركوهم غرقوا جميعا الترمذي حديث حسن صحيح انتهى . والعجب من عزوه الحديث للترمذي مع أنه في صحيح ، وكأنه تبع في ذلك البخاري في أحكامه فتأمله ، والله أعلم . عبد الحق
وأما لزومها بعد العقد ففيه طريقان قال ابن عبد السلام في شركة الأموال : المذهب لزومها بالعقد دون الشروع ، واختلف في شركة الحرث هل هي كشركة الأموال وهو قول ، أو لا تلزم إلا بالعمل وهو قول سحنون ابن القاسم ، وقال ابن عرفة قول ابن عبد السلام إن المذهب دون الشروع هو مقتضى قول لزوم الشركة بالعقد يجوز التبرع بعد العقد بخلاف قول ابن الحاجب ابن رشد في سماع ابن القاسم : إنها من العقود الجائزة وهو مقتضى مفهوم السماع أنه إن شرط ذلك بعد العقد لا يجوز ، ونحوه قوله في المقدمات هي من العقود الجائزة لكل منهما أن ينفصل عن شريكه متى شاء ، ولهذه العلة لم تجز إلا على التكافؤ والاعتدال ; لأنه إن فضل أحدهما صاحبه فيما يخرجه فإنما يسمح في ذلك رجاء بقائه معه على الشركة فصار غررا انتهى .
وقال في التوضيح : قال في المقدمات : هي من العقود الجائزة لكل واحد أن ينفصل متى شاء إلا الشركة في الزرع ففي لزومها خلاف ونحو ذلك [ ص: 123 ] اللخمي وخرج قولا بعدم لزومها لأول نصه من الشاذ في كراء المشاهرة قال : وأما إن أخرجا شيئا ليشتريا به شيئا معينا فإنه يلزم إن لم يمكن كل واحد اشتراؤه بانفراده ، أو أمكنه ولكن اشترائهما أرخص ، وإلا فقولان وهما على الخلاف في شرط ما لا يفيد وفي معين الحكام الشركة تنعقد بالقول على المشهور من قول وأصحابه ، وكذلك قال مالك ابن يونس إنها تلزم بالعقد كالبيع ، ولا رجوع لأحدهما فيها كالبيع بخلاف الجعل والقراض ولعياض نحوه والظاهر أنه لا مخالفة بينهم ومراد ابن يونس ونحوه أنها تلزم بالعقد باعتبار الضمان أي إذا هلك شيء بعد العقد يكون ضمانه منهما خلافا لمن يقول إنها لا تنعقد إلا بالخلط انتهى .
( قلت ) : بل الظاهر أن كلام ابن يونس وعياض وصاحب المعين وابن عبد السلام مخالف لكلام ابن رشد واللخمي وقول ابن عرفة هو مقتضى قول يجوز ابن الحاجب ظاهره أنه لم يقف عليه لغيره ، وقد نص على ذلك في كتاب الشركة من المدونة فقال بعد أن ذكر أنها تفسد إذا عقداها على التفاوت في الربح ، أو العمل ، أو التساوي في ذلك مع التفاضل في رءوس الأموال ما نصه : ولو صح عقد المتفاضلين في المال ثم تطوع الذي له الأقل فعمل في الجميع جاز ، ولا أجر له انتهى . التبرع بعد العقد
قال أبو الحسن : ظاهره أن الشركة تلزم بالعقد ، ولو لم تلزم بالعقد لما جاز ; لأنه إنما تطوع رجاء البقاء معه وذلك لا يلزمه فصار ذلك غررا الشيخ ، كأنه نوع رشوة ويقوم منه أنه يجوز أن يسلف أحدهما الآخر بعد صحة العقد انتهى .
فما ذكره ابن الحاجب والمصنف من جواز التبرع بعد العقد موافق لما في المدونة ، ومقتضاه لزوم العقد كما قال المصنف قوله بما يدل عرفا أي بما يدل على إذن كل واحد لصاحبه في التصرف على الوجه المذكور عرفا ، وسواء كان لفظا ، أو ما يقوم مقامه فمن اللفظ الدال على الشركة قولهما اشتركنا إذا فهم منه مقصودهما عرفا قال في اللباب الصيغة لفظ ، أو ما يقوم مقامه يدل على إذن كل واحد في التصرف لصاحبه ، ويكفي قولهما : اشتركنا إذا فهم المقصود عرفا انتهى .
قال في التوضيح ومثل الفعل الدال لو خلطا ماليهما وباعا انتهى .
واعتراض البساطي على المؤلف كونه لم يقل لغة ، أو عرفا غير ظاهر ، والله أعلم .