الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( وإن أقام أحدهم رحا إن أبيا فالغلة لهم ويستوفي منها ما أنفق )

                                                                                                                            ش : هذا خلاف ما قدمه ابن الحاجب وما رجحه ابن رشد في نوازل عيسى من كتاب السداد والأنهار ونص ابن الحاجب : وإذا انهدمت الرحى المشتركة فأقامها أحدهم إذا أبى الباقي فعن ابن القاسم الغلة كلها لمقيمها وعليه أجرة نصيبهم خرابا ، وعنه أيضا يكون شريكا في الغلة بما زاد بعمارته فإذا كانت قيمتها عشرة ، وبعد العمارة خمسة عشر فله ثلث الغلة بعمارته ، والباقي بينهم ثم من أراد أن يدخل معه فليدفع ما ينوبه من قيمة ذلك يوم يدفعه وقيل الغلة بينهم ، ويستوفي منها ما أنفق انتهى .

                                                                                                                            ونص كلام ابن رشد بعد ذكره المسألة وما فيها من الخلاف : فيتحصل في هذه المسألة أن فيها ثلاثة أقوال الأول أنه يحاص بالنفقة في الغلة كانت الرحى مهدومة ، أو انخرق سدها ، والثاني أنه لا يحاص بالنفقة في الغلة في الوجهين ، والثالث الفرق بينهما ، وكلها مروية عن ابن القاسم الأولان في السماع المذكور ، والثالث في المبسوطة فإذا قلت : إنه لا يحاص بالنفقة في الغلة ففي حكم الغلة ثلاثة أقوال أحدها أنها كلها تكون للعامل إلا أن يريد الشريك الدخول معه فيأتيه بما يجب عليه في ذلك ، ولا كراء عليه في حظ شريكه من الرحى وهو بمنزلة البئر يغور ماؤها ، أو ينهدم منها ناحية ، فيريد أحد الشريكين العمل ، ويأبى صاحبه فيقال لمن أبى : اعمل معه ، أو بع فإن أبى وخلى بينه وبين العمل وحده كان الماء كله للعامل حتى يدفع إليه نصيبه من النفقة فكذلك الرحى وهو قول ابن القاسم ووجه قوله في أنه لا كراء عليه في حظ شريكه من الرحى أن الرحى مهدومة لا كراء لها ، وإنما صار لها كراء ببنائه فوجب أن لا يكون عليه في حظ شريكه كراء ، والثاني أن الغلة تكون للعامل أيضا ، ويكون عليه كراء حصة شريكه من الرحى وهو قول عيسى بن دينار ووجهه أن الكراء فيها موجود إذا أكريت على أن تبنى ، وقد بناها العامل ، وانتفع بها فوجب أن تكون عليه حصة شريكه من الكراء وهو أظهر ، والله أعلم فليس قول عيسى بخلاف لقول ابن القاسم إلا فيما ذكر من أن يكون عليه للذي لم يبن كراء نصيبه من قاعة الرحى ; لأن ابن القاسم لا يرى عليه في ذلك كراء ، والثالث أن الغلة تكون بينهما فيكون للذي لم يعمل منهما بقدر قيمة حظه من الرحى على ما كانت عليه ، وللذي عمل بقدر حظه منها أيضا ، وبقدر عمله إلا أن يريد الشريك الدخول معه فيأتيه بالواجب عليه فيما عمل انتهى .

                                                                                                                            كلامه بلفظه بتقديم ، وتأخير ونقل ابن عرفة كلام العتبية وابن رشد برمته ، وقال بعده قلت : لا يخفى من فهم هذا التحصيل إجمال نقل ابن الحاجب ، ونقل كلامه المتقدم واعتمد المؤلف هنا على ما قاله في توضيحه إثر كلام ابن الحاجب المتقدم ناقلا له عن ابن عبد السلام والقول الثالث مروي عن ابن القاسم أيضا ، وهو قول ابن الماجشون ، وبالقول الثاني قال ابن دينار قال ابن عبد السلام : والثالث أقوى الأقاويل عندي ، وفي الثاني إلزامهم الشراء منه بغير اختيارهم ، أو ينفرد بأكثر الغلة عنهم وهو أقوى من الأول لاستلزامه الأول الذي حجر عليهم ملكهم ولم يجعل لهم فيه إلا أجرة الخراب ( فإن قيل ) : والثالث ضعيف أيضا ; لأن متولي النفقة أخرج ما أنفق من يده دفعة واحدة ويأخذه مقطعا من الغلة ( قيل ) هو الذي أدخل نفسه في ذلك اختيارا ، ولو شاء لرفعهم إلى القاضي فحكم عليهم بما قاله عيسى بن دينار عن مالك إما إن يصلحوا ، أو يبيعوا ممن يصلح انتهى .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية