قال ( وإن كاتب مدبرته جاز ) لما ذكرنا من الحاجة ولا تنافي ، إذ الحرية غير ثابتة ، وإنما الثابت مجرد الاستحقاق ( وإن مات المولى [ ص: 188 - 189 ] ولا مال له غيرها فهي بالخيار بين أن تسعى في ثلثي قيمتها أو جميع مال الكتابة ) وهذا عند أبي حنيفة .
وقال أبو يوسف : تسعى في أقل منهما . وقال محمد : تسعى في الأقل من ثلثي قيمتها وثلثي بدل الكتابة ، فالخلاف في الخيار والمقدار ، فأبو يوسف مع أبي حنيفة في المقدار ، ومع محمد في نفي الخيار . أما الخيار ففرع تجزؤ الإعتاق عنده لما تجزأ بقي الثلثان رقيقا وقد تلقاها جهتا حرية ببدلين معجل بالتدبير ومؤجل بالكتابة فتخير . وعندهما لما عتق كلها بعتق بعضها فهي حرة وجب عليها أحد المالين فتختار الأقل لا محالة فلا معنى للتخيير .
وأما المقدار فلمحمد رحمه الله أنه قابل البدل بالكل وقد سلم لها الثلث بالتدبير فمن المحال أن يجب البدل بمقابلته ، ألا ترى أنه لو سلم لها الكل بأن خرجت من الثلث يسقط كل بدل الكتابة فهنا يسقط الثلث وصار كما إذا تأخر التدبير عن الكتابة . ولهما أن جميع البدل مقابل بثلثي رقبتها فلا يسقط منه شيء ، وهذا لأن البدل وإن قوبل بالكل صورة وصيغة لكنه مقيد بما ذكرنا معنى وإرادة لأنها استحقت حرية الثلث ظاهرا ، [ ص: 190 ] والظاهر أن الإنسان لا يلتزم المال بمقابلة ما يستحق حريته وصار كما إذا طلق امرأته ثنتين ثم طلقها ثلاثا على ألف كان جميع الألف بمقابلة الواحدة الباقية لدلالة الإرادة ، كذا هاهنا ، بخلاف ما إذا تقدمت الكتابة وهي المسألة التي تليه لأن البدل مقابل بالكل إذ لا استحقاق عنده في شيء فافترقا قال ( وإن دبر مكاتبته صح التدبير ) لما بينا .
( ولها الخيار ، إن شاءت مضت على الكتابة ، وإن شاءت عجزت نفسها وصارت مدبرة ) لأن الكتابة ليست بلازمة في جانب المملوك ، فإن مضت على كتابتها فمات المولى ولا مال له غيرها فهي بالخيار إن شاءت سعت في ثلثي مال الكتابة أو ثلثي قيمتها عند أبي حنيفة . وقالا : تسعى في الأقل منهما ، فالخلاف في هذا الفصل في الخيار بناء على ما ذكرنا . أما المقدار فمتفق عليه ، ووجهه ما بينا .


