الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( وإذا لزمته ديون تحيط بماله ورقبته لم يملك المولى ما في يده . [ ص: 300 ] ولو أعتق من كسبه عبدا لم يعتق عند أبي حنيفة . وقالا : يملك ما في يده ويعتق وعليه قيمته ) ; لأنه وجد سبب الملك في كسبه وهو ملك رقبته ولهذا يملك إعتاقها ، ووطء الجارية المأذون لها ، وهذا آية كماله ، بخلاف الوارث ; لأنه يثبت الملك له نظرا للمورث والنظر في ضده عند إحاطة الدين بتركته . أما ملك المولى فما ثبت نظرا للعبد . وله أن ملك المولى إنما يثبت خلافه عن العبد عند فراغه عن حاجته كملك الوارث على ما قررناه والمحيط به الدين مشغول بها فلا يخلفه فيه ، وإذا عرف ثبوت الملك وعدمه فالعتق فريعته ، وإذا نفذ عندهما يضمن قيمته للغرماء لتعلق حقهم به . قال ( وإن لم يكن الدين محيطا بماله جاز عتقه في قولهم جميعا ) أما عندهما فظاهر ، وكذا عنده ; لأنه لا يعرى عن قليله ، فلو جعل مانعا [ ص: 301 ] لانسد باب الانتفاع بكسبه فيختل ما هو المقصود من الإذن ولهذا لا يمنع ملك الوارث والمستغرق يمنعه . .

التالي السابق


. ( قوله وإذا لزمته ديون تحيط بماله ورقبته إلخ ) قال في العناية : إذا لزمته ديون فلا يخلو إما أن تحيط بماله ورقبته ، أو لا تحيط بشيء من [ ص: 300 ] ذلك ، أو أحاطت بماله دون رقبته . فالأول كما إذا أذن للعبد فاشترى عبدا يساوي ألفا والمأذون أيضا يساوي ألفا وعليه ألفا درهم . والثاني أن يكون عليه خمسمائة درهم . والثالث أن يكون عليه ألف درهم ا هـ . أقول : لقائل أن يقول : هذه القسمة ليست بحاصرة ، إذ هنا احتمال قسم رابع وهو أن تحيط برقبته دون ماله على عكس القسم الثالث . والجواب أنه قد تقرر فيما مر أنه يبدأ بكسب المأذون المديون في الاستيفاء ، وعند انعدام كسبه يستوفى من رقبته ، فعلم منه أن تعلق الدين بكسبه كان مقدما على تعلقه برقبته فلم يتصور في الشرع أن تحيط ديونه برقبته دون ماله الذي هو كسبه ، فكانت الأقسام التي يمكن تحققها في الشرع منحصرة في الثلاثة فيما إذا لزمته ديون ، ولهذا لم يلتفت إلى قسم آخر هو احتمال عقلي محض لا تحقق له في الشرع .

( قوله وإن لم يكن الدين محيطا بماله جاز عتقه في قولهم جميعا ) الظاهر أن مراده إذا لم يكن الدين محيطا بماله ورقبته جاز عتقه [ ص: 301 ] في قولهم جميعا كما صرح به في الكافي وسائر الكتب المعتبرة ، إلا أنه اكتفى بذكر قوله بماله ولم يذكر ورقبته بناء على ما ذكرناه آنفا من أن تعلق الديون بكسبه مقدم على تعلقها برقبته ، وإذا لم تحط الديون بماله يتعين عدم إحاطتها برقبته فلم يحتج إلى ذكر الثاني بعد ذكر الأول ، وما وقع في عامة الكتب فمن قبيل التصريح بما علم التزاما لمجرد الاحتياط .

ثم اعلم أن هذا الذي ذكره المصنف هاهنا هو حكم القسم الثاني من الأقسام الثلاثة المار ذكرها في التقسيم الذي نقلناه عن العناية فيما قبل ، وحكم القسم الأول منها ما ذكر في الكتاب من قبل بقوله وإذا لزمته ديون تحيط بماله ورقبته لم يملك المولى ما في يده ، ولو أعتق من كسبه عبدا لم يعتق عند أبي حنيفة ، وقالا : يملك ما في يده ويعتق وعليه قيمته .

وأما حكم القسم الثالث منها فلم يذكر في الكتاب قط ، وعن هذا قال صاحب العناية . وأما الثالث فلم يذكره في الكتاب ، ونقل بعض الشارحين عن بيوع الجامع الصغير أن العتق فيه جائز ا هـ . وأراد ببعض الشارحين صاحب غاية البيان فإنه قال : قال في بيوع الجامع الصغير محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة في رجل أذن لعبده في التجارة فاشترى عبدا يساوي ألفا وهو يساوي ألفا وعلى الأول ألف درهم دينا فأعتق المولى العبد المشترى فعتقه جائز ، وإن كان الدين ألفي درهم مثل قيمتهما لم يجز عتقه ، وقال أبو يوسف ومحمد : عتقه جائز في الوجهين جميعا ا هـ . أقول : في جواز عتقه عند أبي حنيفة في الوجه الأول من هذين الوجهين المذكورين في بيوع الجامع الصغير وهو القسم الثالث من الأقسام المار ذكرها إشكال على مقتضى دليله المذكور في الكتاب لإثبات مذهبه في القسم الخلافي الذي ذكر في الكتاب أولا وفي الجامع الصغير ثانيا ، فإن حاصل ذاك الدليل أن ملك المولى إنما يثبت خلافه عن العبد عند فراغه عن حاجته ، والمال الذي أحاط به الدين مشغول بحاجته فلا يخلفه فيه فلا يثبت فيه الملك ، وإذا لم يثبت فيه الملك لم يجز إعتاقه . ولا يخفى أن جميع مقدمات ذلك الدليل جارية بعينها فيما إذا أحاطت الديون بكسبه دون رقبته فينبغي أن لا يجوز إعتاقه فيه أيضا




الخدمات العلمية