الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 420 ] فصل قال ( وإذا باع دارا إلا مقدار ذراع منها في طول الحد الذي يلي الشفيع فلا شفعة له ) لانقطاع الجوار ، وهذه حيلة ، وكذا إذا وهب منه هذا المقدار وسلمه إليه لما بينا ، قال ( وإذا ابتاع منها سهما بثمن ثم ابتاع بقيتها فالشفعة للجار في السهم الأول دون الثاني ) لأن الشفيع جار فيهما ، إلا أن المشتري في الثاني شريك فيتقدم عليه ، [ ص: 421 ] فإن أراد الحيلة ابتاع السهم بالثمن إلا درهما مثلا والباقي بالباقي ، وإن ابتاعها بثمن ثم دفع إليه ثوبا عوضا عنه فالشفعة بالثمن دون الثوب لأنه عقد آخر ، والثمن هو العوض عن الدار قال رضي الله عنه : وهذه حيلة أخرى تعم الجوار والشركة فيباع بأضعاف قيمته ويعطى بها ثوب بقدر قيمته ، إلا أنه لو استحقت المشفوعة يبقى كل الثمن على مشتري الثوب لقيام البيع الثاني فيتضرر به والأوجه أن يباع بالدراهم الثمن دينار حتى إذا استحق المشفوع يبطل الصرف فيجب رد الدينار لا غير

التالي السابق


( فصل ) لما كانت الشفعة تسقط في بعض الأحوال علم تلك الأحوال في هذا الفصل لاحتمال أن يكون الجار فاسقا يتأذى به ، وفي استعمال الحيلة لإسقاط الشفعة يحصل الخلاص من مثل هذا الجار فاحتيج إلى بيانه ، كذا في العناية وغيرها ، ولما كان يتجه على ظاهر هذا التوجيه أن البائع يخرج المبيع من يده وملكه بالبيع فيحصل به الخلاص له من أذية مثل ذلك الجار الفاسق فما الاحتياج إلى استعمال الحيلة لإسقاط شفعته ؟ تدارك دفع ذلك بعض الفضلاء حيث قال : قول صاحب العناية يتأذى به في قوله لاحتمال أن يكون الجار فاسقا يتأذى به بأن قال في استيفاء الثمن ، وقال : ويجوز أن يقال ذلك فيما إذا كان للبائع دار أخرى وراء داره المبيعة فتدبر ا هـ أقول : الأظهر عندي أن يقال المقصود من إسقاط شفعة مثل ذلك الجار الفاسق الذي يتأذى به دفع تأذي الجيران الملاصقين بالدار المبيعة دون دار ذلك الجار الفاسق ، لا دفع مجرد تأذي نفس البائع ، ولا يذهب عليك أن هذه [ ص: 421 ] الفائدة مما تتحقق في كثير من الصور ، بخلاف ما ذكره ذلك البعض فتدبر

( قوله والأوجه أن يباع بالدراهم الثمن دينار حتى إذا استحق المشفوع يبطل الصرف فيجب رد الدينار لا غير ) قال صاحب النهاية : وبيان ذلك ما ذكره في شفعة فتاوى قاضي خان فقال : ومن الحيلة أنه إذا أراد أن يبيع الدار بعشرة آلاف درهم يبيعها بعشرين ألفا ثم يقبض تسعة آلاف وخمسمائة ويقبض بالباقي عشرة دنانير أو أقل أو أكثر ، فلو أراد الشفيع أن يأخذها يأخذها بعشرين ألفا فلا يرغب في الشفعة ، ولو استحق الدار على المشتري لا يرجع المشتري بعشرين ألفا ، وإنما يرجع بما أعطاه لأنه إذا استحق الدار ظهر أنه لم يكن عليه ثمن الدار فيبطل الصرف كما لو باع الدينار بالدراهم التي للمشتري على البائع ثم تصادقا أنه لم يكن عليه دين فإنه يبطل الصرف ا هـ واقتفى أثره صاحب العناية في بيان معنى كلام المصنف هذا بذلك المعنى المذكور في فتاوى قاضي خان ، إلا أنه لم يتعرض لكون ذلك مذكورا فيها بل جعله شرحا محضا لكلام المصنف حيث قال : وقوله والأوجه إلخ تقريره إذا أراد أن يبيع الدار بعشرة آلاف درهم إلى آخر ما ذكر في النهاية معزيا إلى فتاوى قاضي خان أقول : لا يذهب على ذي فطنة أن معنى كلام المصنف هذا ليس عين ما ذكر في فتاوى قاضي خان وفي الشرحين المزبورين : فإن معنى كلامه أن يباع بكل الدراهم التي هي الثمن دينار ، ومعنى ما ذكر فيها أن يقبض بعض ثمنها ويباع بالباقي دنانير ، وعن هذا قال المصنف فيما إذا استحق المشفوع فيجب رد الدينار لا غير ، وقالوا ثمة لا يرجع المشتري بعشرين ألفا ، وإنما يرجع بما أعطاه نعم كلا العينين مشتركان في أن يعما الجوار والشركة وأن لا يتضرر بائع الدار فيها لعدم لزوم رجوع مشتري الدار عليه بكل الثمن عند ظهور من يستحق الدار في شيء منهما فصار أحدهما نظير الآخر في الحيلة لا عينه ، فلا يصلح أحدهما لأن يكون بيانا وشرحا للآخر كما لا يخفى




الخدمات العلمية