الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( وما لا مثل له فعليه قيمته يوم غصبه ) معناه العدديات المتفاوتة ، [ ص: 321 ] لأنه لما تعذر مراعاة الحق في الجنس فيراعى في المالية وحدها دفعا للضرر بقدر الإمكان . أما العددي المتقارب فهو كالمكيل حتى يجب مثله لقلة التفاوت . وفي البر المخلوط بالشعير القيمة ; لأنه لا مثل له . .

التالي السابق


( قوله وما لا مثل له فعليه قيمته يوم غصبه ، معناه العدديات المتفاوتة ) يعني معنى قول القدوري في مختصره ما لا مثل له العدديات المتفاوتة .

قال صاحب العناية أخذا من النهاية : وتحقيقه أن معناه الشيء الذي لا يضمن بمثله من جنسه ; لأن الذي لا مثل له على الحقيقة هو الله تعالى ، وذلك كالعدديات المتفاوتة مثل الدواب والثياب ا هـ . أقول : هذا الذي عده تحقيقا مما لا طائل تحته ، بل لا حاصل له ; لأنه إن أراد بالشيء الذي لا يضمن بمثله من جنسه ما لا يكون له مثل من جنسه ولا يضمن بمثله من جنسه فينافيه تعليله بقوله ; لأن الذي لا مثل له على الحقيقة هو الله تعالى ; لأن ما لا يكون له مثل من جنسه لا يكون له مثل من غير جنسه أيضا بالأولوية فلا يكون له مثل أصلا .

وقد قال في التعليل : إن الذي لا مثل له على الحقيقة هو الله تعالى فكيف يتصور أن يكون ذلك معنى قوله ما لا مثل له في قوله وما لا مثل له فعليه قيمته يوم غصبه ، وإن أراد بذلك ما له مثل من جنسه ، ولكن لا يضمن بمثله من جنسه بل يضمن بقيمته كما هو الظاهر من تعليله ، فعلى تقدير أن يكون هذا معنى قول القدوري ما لا مثل له في قوله وما لا مثل له فعليه قيمته يلزم الاختلال في وضع المسألة ، إذ يصير حينئذ معنى المسألة وما لا يضمن بمثله من جنسه بل يضمن بقيمته فعليه قيمته .

أي يضمن بقيمته فيشبه جواب المسألة بلغو من الكلام لكونه معلوما بصدر المسألة . وبالجملة تفسير ما لا مثل له في هذه المسألة بما لا يضمن بمثله كما فعله صاحب العناية والنهاية ، وكذا تفسير ما له مثل في المسألة الأولى بما يضمن بمثله كما فعله صاحب العناية مما لا تقبله فطرة سليمة لاستلزامه اعتبار جواب المسألة في صدر المسألة فيكون معنى قولهم في المسألة الأولى أيضا ومن غصب شيئا له مثل فهلك في يده فعليه ضمان مثله ، ولا يخفى ما فيه من الاستدراك واللاغية .

فالحق عندي أن المراد بما له مثل في المسألة الأولى ما له مثل صورة ومعنى وهو المثل الكامل الذي ينصرف إليه المثل عند الإطلاق ، وبما لا مثل له في هذه المسألة ما لا مثل له في صورة ومعنى ، وإن كان له مثل معنى فقط وهو القيمة التي هي المثل القاصر .

وقد أفصح عن نوعي المثل في الكافي حيث قال من قبل : إن المثل نوعان : كامل وهو المثل صورة ومعنى وهو الأصل في ضمان العدوان حتى صار بمنزلة الأصل ، وقاصر وهو المثل معنى وهو القيمة ، والقاصر لا يكون مشروعا مع احتمال الأصل ; لأنه خلف عن المثل الكامل ا هـ .

فيصير معنى هذه المسألة : وما لا يكون له مثل كامل فعليه مثله القاصر وهو القيمة فينتظم المقام بلا كلفة ، قال في الكافي بعد ذكر مسألتنا هذه : وقال مالك : يضمن مثله صورة من جنس ذلك لما تلونا . ولنا ما روي عن شريح : " من كسر عصا فهي له وعليه قيمتها " وهي المراد بالمثل المذكور في النص ا هـ .

أقول : يرد عليه أنه لو كانت القيمة هي المراد بالمثل المذكور في النص وهو قوله تعالى { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } لما تم الاستدلال بذلك النص الشريف على وجوب ضمان المثل صورة ومعنى على من غصب شيئا له مثل كالمكيل والموزون فهلك في يده ، وقد مر الاستدلال به على ذلك في المسألة الأولى ، وهو الذي أشار إليه في الكافي وغيره بقوله لما تلونا فتدبر .

( قوله أما العددي المتقارب فهو كالمكيل ) قال في النهاية : وإنما اقتصر على المكيل ولم يقل كالمكيل والموزون ; لأن من الموزونات ما ليس بمثلي وهو الموزون الذي في تبعيضه ضرر كالمصوغ من القمقم والطشت ا هـ . أقول : لقائل أن يقول : لو كان اقتصاره على المكيل لذلك الشيء الذي ذكره لاقتصر عليه فيما مر أيضا حيث قال : ومن غصب شيئا له مثل كالمكيل والموزون فهلك في يده فعليه مثله [ ص: 322 ] وليس فليس . وأورد عليه صاحب العناية بوجه آخر حيث قال بعد نقل ما في النهاية بقيل : وليس بواضح ; لأن من المكيل ما هو كذلك كالبر المخلوط بالشعير فإنه لا مثل له ففيه القيمة ا هـ . أقول : يمكن أن يجاب عنه بأن الظاهر أن مراد المصنف بالمكيل [ ص: 323 ] في قوله أما العددي المتقارب فهو كالمكيل حتى يجب مثله لقلة التفاوت هو المكيل من جنس واحد بقرينة قوله بعده وفي البر المخلوط بالشعير القيمة ; لأنه لا مثل له ، وبقرينة شهرة اعتبار الجنس مع المكيل في تحقق المماثلة في الكيل كما تقرر في باب الربا من البيوع




الخدمات العلمية