الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            أما لو صالح على منفعة العين المدعاة فهي إعارة تثبت أحكامها ، فإن عين مدة فإعارة مؤقتة وإلا فمطلقة ( أو ) جرى الصلح ( على بعض العين المدعاة ) كربعها ( فهبة لبعضها ) الباقي ( لصاحب اليد ) عليها ( فتثبت أحكامها ) أي الهبة المقررة في بابها من اشتراط القبول وغيره لصدق حدها ، فتصح في البعض المتروك بلفظ الهبة والتمليك وشبههما ( ولا يصح بلفظ البيع ) له لعدم الثمن ( والأصح ) ( صحته بلفظ الصلح ) كصالحتك عن الدار على ربعها ; لأن الخاصية التي يفتقر إليها لفظ الصلح هي سبق الخصومة وقد حصلت والثاني لا يصح ; لأن لفظ الصلح يتضمن المعاوضة ولا عوض هنا للمتروك .

                                                                                                                            ومحال أن يقابل الإنسان ملكه بملكه ، وحمله الأول على الهبة تنزيلا لهذا اللفظ في كل موضع على ما يليق به كلفظ التمليك ويسمى هذا صلح الحطيطة ( ولو قال من غير سبق خصومة : صالحني عن دارك ) مثلا ( بكذا ) فأجابه ( فالأصح بطلانه ) لاستدعاء لفظ الصلح سبق الخصومة سواء أكانت عند حاكم أم لا .

                                                                                                                            والثاني يصح ; لأنه معاوضة فلم يشترط فيه ذلك قياسا على البيع .

                                                                                                                            ومحل الخلاف عند عدم النية ، فإن استعملاه ونويا البيع كان كناية من غير شك كما قالاه وإن رده في المطلب ( ولو ) ( صالح من دين ) يجوز الاعتياض عنه ( على ) غيره ( عين ) أو دين ولو منفعة كما قاله الإسنوي ( صح ) لعموم الأدلة سواء أعقد بلفظ البيع أم الصلح أم الإجارة . [ ص: 385 ] أما ما لا يصح الاعتياض عنه كدين السلم فإنه لا يصح ، وعلم مما تقرر صحة عبارة المصنف ، وما اعترض به عليه من أنه كان حقه أن يعبر بغير ; لأن لفظة عين تنافي التفصيل الآتي لقوله : فإن كان العوض عينا إلى قوله أو دينا أجاب عنه الشارح بما سيأتي ، وقد قال السبكي : إنه يوجد في بعض نسخ المحرر على عوض وهو الصواب ا هـ ( فإن ) ( توافقا ) أي الدين المصالح عنه والعوض المصالح عليه ( في علة الربا ) كأن صالح عن ذهب بفضة ( اشترط قبض العوض في المجلس ) حذرا من الربا ، فإن تفرقا قبل قبضه بطل الصلح ، وتعينه في العقد ليس بشرط في الأصح ( وإلا ) أي وإن لم يتوافق المصالح عنه الدين والمصالح عليه في علة الربا كما قاله الشارح فجعله منقطعا عن الأول ممثلا عن فضة بحنطة أو ثوب ( فإن كان العوض عينا لم يشترط قبضه في المجلس في الأصح ) كما لو باع ثوبا بدراهم في الذمة لا يشترط قبض الثوب في المجلس . والثاني يشترط ; لأن أحد العوضين دين فيشترط قبض الآخر في المجلس كرأس مال السلم ( أو ) كان العوض ( دينا ) كصالحتك عن الدراهم التي عليك بكذا ( اشترط تعيينه في المجلس ) ليخرج عن بيع الدين بالدين ( وفي قبضه في المجلس الوجهان ) أصحهما ( عدم الاشتراط ) فإن كان ربويين اشترط لما سبق في الاستبدال عن الثمن ، وإن كان العوض منفعة فقبضها بقبض محلها .

                                                                                                                            قال الإسنوي : ويتجه تخريج اشتراطه على الخلاف فيما لو صالح على عين .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : أما لو صالح على منفعة العين ) كأن صالحه المدعى عليه منها على أن يسكنها سنة

                                                                                                                            ( قوله : فهي إعارة إلخ ) ومنه جواز الرجوع فيها متى شاء ا هـ سم على منهج

                                                                                                                            ( قوله : فهبة لبعضها ) كأن صورته أن يقول وهبتك نصفها وصالحتك على الباقي .

                                                                                                                            وصورة البيع بعتك نصفها وصالحتك على الباقي ا هـ .

                                                                                                                            قال الشيخ عميرة : قال السبكي : لو قال وهبتك نصفها على أن تعطيني النصف الآخر فسد كنظيره من الإبراء ا هـ سم على منهج

                                                                                                                            ( قوله : لصاحب اليد ) أي مثلا ( قوله : بلفظ الهبة والتمليك ) قضيته أنه لو اقتصر على قوله صالحتك من هذه الدار على نصفها لا يكون هبة لباقيها ، وهو غير مراد فإن الصيغة تقتضي أنه رضي منها ببعضها وترك باقيها ، ويصرح به قول الشارح الآتي ك صالحتك عن الدار على ربعها ( قوله : وشبههما ) كالرقبى والعمرى ( قوله : ولا يصح ) أي فيما إذا جرى على بعض العين المدعاة

                                                                                                                            ( قوله : وحمله الأول على الهبة ) أي فتثبت فيه أحكامها من توقف الملك على القبض فيجوز للمصالح الرجوع عن الصلح إذا لم يوجد قبض ، وعليه فلو كانت الدار المصالح عنها بيد المقر اعتبر إذن المصالح له في القبض ومضى زمن يمكن فيه القبض

                                                                                                                            ( قوله : ويسمى هذا صلح الحطيطة إلخ ) أي : الصلح من المدعى به على بعضه

                                                                                                                            ( قوله : من غير سبق خصومة ) أي : ولو مع غير المصالح كما يأتي فيما لو قال الأجنبي للمدعى عليه : صالحني عن الدار التي بيدك لفلان بكذا لنفسي فإنه صحيح على ما يأتي اكتفاء بالمخاصمة السابقة بين المتداعيين

                                                                                                                            ( قوله : صالحني عن دارك ) وخرج به ما لو قال لغريمه بلا خصومة أبرئني من دينك علي بأن قاله استيجابا لطلب البراءة فأبرأه جاز عباب ا هـ على منهج

                                                                                                                            ( قوله : سواء أكانت عند حاكم أم لا ) يشعر بأنه لا بد لصحة الصلح من وقوع الخصومة عند غير المتخاصمين فلا تكفي المناكرة فيما بينهما ، ولعله غير مراد ، فمتى سبق بينهما تنازع ثم جرى الصلح بلفظه صح ; لأنه صدق عليه أنه بعد خصومة ، ويمكن شمول قوله أم لا لذلك

                                                                                                                            ( قوله : ونويا البيع ) أي أو غيره مما يستعمل فيه لفظ الصلح من الإجارة وغيرها الآتي فيما يظهر ، ولعله إنما اقتصر عليه ; لأنه الذي صرح به الشيخان ، ولأنه الظاهر من قول المصنف : صالحني عن دارك بكذا

                                                                                                                            ( قوله : كان كناية إلخ ) معتمد [ ص: 385 ] قوله : كدين السلم ) أي كالمبيع في الذمة حيث عقدها عليه بلفظ البيع كما ذكره الشارح في باب المبيع قبل قبضه وإن ذكر سم على منهج عنه هنا جواز الاعتياض عنه وكنجوم الكتابة

                                                                                                                            ( قوله : وعلم مما تقرر ) هو قوله على غيره

                                                                                                                            ( قوله : وهو الصواب ) أي لشموله للدين

                                                                                                                            ( قوله : اشترط ) أي القبض في المجلس

                                                                                                                            ( قوله : اشتراطه ) أي القبض

                                                                                                                            ( قوله : فيما لو صالح على عين ) والراجح أنه لا يشترط فكذا هنا .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 384 - 385 ] . ( قوله : وعلم مما تقرر صحة عبارة المصنف ) انظر ما وجه صحتها مما قرره ; فإن غاية ما قرره أنه أتى بحكم خارجي كان من حق المصنف أن يأتي به ليوافق عبارته الآتية ، وبفرض صحتها به فما الداعي إلى قوله وما اعترض به إلخ فبعد التنزل ، وأن ما قرره مصحح لعبارة المصنف فكان عليه أن يجعل ما ذكره الشارح جوابا ثانيا عن الاعتراض وأجاب الشهاب حج بأن المصنف أراد بالعين هنا ما يقابل المنفعة الشاملة للعين والدين بدليل تقسيمه المصالح عليه إلى عين ودين ، وغاية الأمر أنه استعمل العين في الأمرين تارة وفي مقابل الدين أخرى ، وذلك مجاز عرفي دل عليه ما بعده ، ومثل ذلك يقع في عباراتهم كثيرا . قال : فإن قلت : فما وجه المقابلة بالمنفعة مع الصحة فيها أيضا كما علم مما مر ؟ قلت : لأنه لا يتأتى فيها التفريع الذي قصده من التوافق في علة الربا تارة وعدمها أخرى ( قوله : فجعله منقطعا عن الأول ) أي : حيث قيد المصالح عنه بالدين كما هو وضع المسألة وأطلق في المصالح عليه فشمل الدين والعين فأشار إلى أنه غير مرتبط بما قبله وإن اقتضاه السياق ، لكن الشارح هنا جعل القطع عن الأول من قول المصنف ، فإن توافقا إلخ حيث عبر في المصالح عليه بالعوض وهذا لم يسلكه الشارح الجلال




                                                                                                                            الخدمات العلمية