الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
638 - " إذا رأيتم الجنازة؛ فقوموا لها؛ حتى تخلفكم؛ أو توضع " ؛ (حم ق 4) ؛ عن عامر بن ربيعة .

التالي السابق


(إذا رأيتم الجنازة) ؛ بفتح الجيم؛ وكسرها؛ أي: الميت؛ في النعش؛ (فقوموا لها) ؛ هبها مسلمة؛ أم ذمية؛ ففي البخاري أن المصطفى - صلى الله عليه وسلم - مرت به جنازة؛ فقام؛ فقيل له: إنه يهودي؛ فقال: " أليست نفسا؟" ؛ وذلك إكراما لقابض روحها؛ أو لأجل ما معها من الملائكة؛ والمراد في الكافر ملائكة العذاب؛ أو لصعوبة الموت وتذكره؛ لا لذات الميت؛ فالقيام لتعظيم أمر الموت؛ وإجلال حكم الله؛ وقال القاضي: الباعث على القيام إما تعظيم الميت؛ أي: المسلم؛ وإما تهويل الموت؛ والتنبيه على أنه بحال ينبغي أن يفر من رأى ميتا؛ رعبا منه؛ (حتى تخلفكم) ؛ بضم الفوقية؛ وفتح المعجمة؛ وكسر اللام مشددة؛ أي: تترككم خلفها؛ وفي نسبة ذلك إليها تجوز؛ لأن المخلف حاملها؛ لا هي؛ (أو توضع) ؛ عن الأعناق؛ على الأرض؛ أو في اللحد؛ و" أو" ؛ للتنويع؛ والأمر بالقيام إنما هو للقاعد؛ أما الراكب؛ فيقف؛ وفيه أن القيام للجنازة مشروع؛ لما ذكر؛ وبه أخذ جمع من السلف والخلف؛ وتبعهم النووي في المجموع؛ فاختار ندبه من حيث الدليل؛ مخالفا لما جرى عليه في روضته من الكراهة؛ وقال الشافعي وأبو حنيفة وصاحباه: إن الأمر بالقيام منسوخ؛ لخبر مسلم عن علي: " رأيت المصطفى - صلى الله عليه وسلم - قام؛ فقمنا؛ وقعد؛ فقعدنا" ؛ وخبر أبي داود: " قام في الجنازة؛ ثم قعد" ؛ قال القاضي: والحديث محتمل لمعنيين؛ أحدهما أنه كان يقوم للجنازة؛ ثم يقعد بعد قيامه؛ إذا تجاوزت وبعدت عنه؛ والثاني أنه كان يقوم أياما؛ ثم لم يكن يقوم بعد ذلك؛ وعليه يكون فعله الأخير قرينة وأمارة على أن الأمر الوارد في الخبر للندب؛ ويحتمل أن يكون ناسخا للوجوب المستفاد من ظاهر الأمر؛ وإن كان مخصوصا بنا؛ دونه؛ لأن الآمر لا يكون مأمورا بأمره؛ والفعل صورة تختص بمن يتعاطاه؛ إلا أن فعله المتأخر من حيث إنه يجب علينا الأخذ به؛ عارضه؛ فنسخه؛ والأول أرجح؛ لأن احتمال المجاز أقرب من النسخ؛ انتهى؛ ثم هذا كله في القاعد؛ إذا مرت به؛ أما مشيعها؛ فيندب ألا يقعد حتى توضع؛ كما جزم به بعضهم؛ لكن يرده ما في أبي داود والترمذي وابن ماجه ؛ عن عبادة؛ أن المصطفى - صلى الله عليه وسلم - كان إذا شيع جنازة لم يقعد حتى توضع في اللحد؛ فعرض له حبر من اليهود؛ فقال له: إنا هكذا نصنع يا محمد؛ فجلس؛ وقال: " خالفوهم" .

(حم ق 4؛ عن عامر بن ربيعة ) ؛ ورواه عنه أيضا ابن حبان ؛ والشافعي .



الخدمات العلمية