الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
477 - " إذا أكل أحدكم طعاما؛ فليقل: اللهم بارك لنا فيه؛ وأبدلنا خيرا منه؛ وإذا شرب لبنا؛ فليقل: اللهم بارك لنا فيه؛ وزدنا منه؛ فإنه ليس شيء يجزئ من الطعام والشراب إلا اللبن " ؛ (حم د ت هـ هب) ؛ عن ابن عباس ؛ (صح).

التالي السابق


(إذا أكل أحدكم) ؛ أي: أراد أن يأكل؛ ويحتمل جعله على ظاهره؛ (طعاما) ؛ غير لبن؛ (فليقل) ؛ ندبا؛ (اللهم بارك لنا فيه) ؛ من " البركة" ؛ وهي زيادة الخير ودوامه؛ (وأبدلنا) ؛ بفتح الهمزة؛ (خيرا) ؛ اسم تفضيل؛ وأصله: " أخير" ؛ فلا يراد أنها ليست على وزن " أفعل" ؛ (منه) ؛ من طعام الجنة؛ أو أعم؛ فيشمل خير الدارين؛ ويؤيده أن النكرة في سياق الدعاء تعم؛ وإن كانت للإثبات؛ (وإذا شرب) ؛ أي: تناول؛ (لبنا) ؛ ولو غير حليب؛ وعبر بالشرب؛ لأنه الغالب؛ (فليقل) ؛ ندبا؛ (اللهم بارك لنا فيه؛ وزدنا منه) ؛ ولا يقل: " خيرا منه" ؛ لأنه ليس في الأطعمة خير منه؛ (فإنه ليس بشيء يجزئ) ؛ بضم أوله؛ أي: يكفي؛ يقال: " جزأت الإبل بالرطب عن الماء" ؛ اكتفت؛ (من الطعام؛ والشراب؛ إلا اللبن) ؛ يعني: لا يكفي في دفع العطش؛ والجوع؛ معا؛ شيء واحد إلا هو؛ لأنه - وإن كان بسيطا في الحس - لكنه مركب من أصل الخلقة؛ تركيبا طبيعيا؛ من جواهر ثلاث؛ جبنية؛ وسمنية؛ ومائية؛ فالجبنية باردة رطبة مغذية للبدن؛ والسمنية معتدلة في الحرارة والرطوبة؛ ملائمة للبدن الإنساني الصحيح؛ كثيرة المنافع؛ والمائية حارة رطبة؛ مطلقة للطبيعة؛ مرطبة للبدن؛ فلذلك لا يجزئ من الطعام غيره؛ وهو أفضل من العسل؛ على ما عليه السبكي؛ وألف فيه؛ لكن عكس بعضهم؛ وجمع ابن رسلان بأن الأفضل من جهة التغذي والري اللبن؛ والعسل أفضل من حيث جموم المنافع والحلاوة؛ وقضية الحديث أيضا أن اللبن أفضل من اللحم؛ ويعارضه الخبر الآتي: " أفضل طعام أهل الدنيا؛ والآخرة: اللحم" .

(تنبيه) : سيأتي في خبر: " اللبن فطرة" ؛ قال القرطبي : يعني بها فطرة [ ص: 297 ] دين الإسلام؛ كما قال (تعالى): فطرت الله ؛ الآية؛ ثم قال: ذلك الدين القيم ؛ وقد جعل الله ذلك لجبريل علامة على هداية هذه الأمة؛ لأن اللبن أول ما يتغذى به الإنسان؛ وهو قوت خلا عن المفاسد؛ به قوام الأجساد؛ ولذلك آثره المصطفى - صلى الله عليه وسلم - على الخمر ليلة الإسراء؛ ودين الإسلام كذلك؛ بل هو أول ما أخذ على بني آدم؛ وهم كالذر؛ ثم هو قوت الأرواح؛ به قوامها الأبدي؛ وصار اللبن عبارة مطابقة لمعنى دين الإسلام؛ من جميع جهاته؛ فكان العدول عنه إلى الخمر لو وقع؛ علامة على الغواية؛ وقد أعاذ الله (تعالى) نبيه من ذلك؛ طبعا؛ وشرعا.

(حم د ت) ؛ وقال: حسن؛ (هـ هب؛ عن ابن عباس ) - رضي الله عنه -؛ قال: كنت عند ميمونة ؛ فدخل رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ومعه خالد ؛ فجاؤوا بضبين مشويين؛ فتبزق رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال خالد : إخالك تقذره؛ فقال: " أجل" ؛ ثم أتي بلبن؛ فذكره؛ وظاهر صنيع المؤلف - رحمه الله - أن ما ذكر جميعه هو لفظ الحديث؛ والأمر بخلافه؛ فقد ذكر الصدر المناوي عن الخطابي أن قوله: " فإنه..." ؛ إلى آخره؛ من قول مسدد ؛ لا من تتمة الحديث.



الخدمات العلمية