الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
454 - " إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان؛ فتقول: اتق الله فينا؛ فإنما نحن بك؛ فإن استقمت استقمنا؛ وإن اعوججت اعوججنا " ؛ (ت) وابن خزيمة؛ (هب)؛ عن أبي سعيد ؛ (صح).

التالي السابق


(إذا أصبح ابن آدم) ؛ دخل في الصباح؛ (فإن الأعضاء) ؛ جمع "عضو"؛ بضم العين؛ وكسرها؛ كل عظم وافر بلحمه؛ (كلها) ؛ تأكيد لدفع توهم عدم إرادة الشمول؛ (تكفر اللسان) ؛ تذل وتخضع له؛ من قولهم: "كفر اليهودي"؛ إذا خضع وطأطأ رأسه وانحنى لتعظيم صاحبه؛ مأخوذ من "الكافرة"؛ وهي الكاذبة التي هي أصل الفخذ؛ ذكره القاضي؛ وأصله للزمخشري ؛ [ ص: 287 ] حيث قال: وهو من تكفير الذمي؛ وهو أن يطأطئ رأسه؛ ويحني ظهره؛ كالراكع عند تعظيم صاحبه؛ قال:


تكفر باليدين إذا التقينا ... وتلقي من مخافتنا عصاكا



كأنه من الكافرتين؛ وهما الكاذبتان؛ لأنه يضع يديه عليهما؛ أو ينثني عليهما؛ أي: يحكي في ذلك من يكفر شيئا؛ أي: يغطيه؛ ويستره؛ انتهى؛ (فتقول) ؛ أي: بلسان الحال؛ وزعم أن المراد لسان القال جمود؛ (اتق الله فينا) ؛ أي: خفه في حفظ حقوقنا؛ فلا تقتحم منهيا؛ فنهلك معك؛ (فإنما نحن بك) ؛ أي: نستقيم؛ ونعوج تبعا لك؛ (فإن استقمت) ؛ أي: اعتدلت على الصراط المستقيم؛ (استقمنا) ؛ اعتدلنا؛ وفي التنزيل: وكان بين ذلك قواما ؛ أي: عدلا؛ (وإن اعوججت) ؛ ملت عن الاعتدال؛ (اعوججنا) ؛ ملنا عنه؛ قال الغزالي - رضي الله (تعالى) عنه -: المعنى فيه أن نطق اللسان يؤثر في أعضاء الإنسان بالتوفيق والخذلان؛ فاللسان أشد الأعضاء جماحا وطغيانا؛ وأكثرها فسادا وعدوانا؛ ويؤكد هذا المعنى قول مالك بن دينار - رضي الله (تعالى) عنه -: "إذا رأيت قساوة في قلبك؛ ووهنا في بدنك؛ وحرمانا في رزقك؛ فاعلم أنك تكلمت فيما لا يعنيك" ؛ قال الطيبي: وهذا لا تناقض بينه وبين خبر: "إن في الجسد لمضغة؛ إذا صلحت صلح الجسد..."؛ إلى آخره؛ لأن اللسان ترجمان القلب؛ وخليفته في ظاهر البدن؛ فإذا أسند إليه الأمر فهو مجاز في الحكم؛ كقولك: "سقى الطبيب المريض الدواء"؛ قال الميداني: المرء بأصغريه: قلبه؛ ولسانه؛ أي: تقوم معانيه بهما؛ قال الشاعر:


لسان الفتى نصف ونصف فؤاده ... فلم يبق إلا صورة اللحم والدم



(ت ) ؛ في الزهد؛ ( وابن خزيمة)؛ في صحيحه؛ (هب؛ عن أبي سعيد ) ؛ الخدري؛ قال العراقي: ووقع في الإحياء عن سعيد بن جبير؛ مرفوعا؛ وإنما هو عن سعيد بن جبير عن أبي سعيد؛ ورواه الترمذي موقوفا على حماد؛ وقال: هذا أصح؛ ومع ذلك إسناد الرفع جيد؛ لكن الموقوف أجود؛ والله أعلم.




الخدمات العلمية