الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
65 - " ابن آدم؛ عندك ما يكفيك؛ وأنت تطلب ما يطغيك؛ ابن آدم؛ لا بقليل تقنع؛ ولا بكثير تشبع؛ ابن آدم؛ إذا أصبحت معافى في جسدك؛ آمنا في سربك؛ عندك قوت يومك؛ فعلى الدنيا العفاء " ؛ (عد هب) ؛ عن ابن عمر ؛ (صح).

التالي السابق


(ابن آدم؛ عندك ما يكفيك) ؛ أي: يسد حاجتك؛ (وأنت تطلب) ؛ أي: تحاول أخذ (ما يطغيك) ؛ أي: يحملك على الظلم؛ ومجاوزة الحدود الشرعية: إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى ؛ فإذا كان عندك ما يكفيك حالا؛ فاشكر نعمة ربك؛ ولا تطلب [ ص: 87 ] زيادة تطغيك؛ (ابن آدم؛ لا بقليل تقنع) ؛ أي: ترضى؛ لفقر نفسك إلى الزيادة؛ و" القناعة" : الرضا بما قسم؛ وتطلق على الاكتفاء بقدر الضرورة؛ وهو معنى قولهم: " القناعة: الرضا باليسير" ؛ ولعل المراد هنا بقوله: " تقنع" ؛ لا بقيد القلة؛ وإلا لكفى أن يقول: " لا تقنع" ؛ ونكتة قصر القناعة على الرضا؛ والنص على لفظ القلة معه؛ رعاية الطباق بين القلة؛ والكثرة؛ المذكورة بقوله: [ (ولا بكثير تشبع) ؛ وفي رواية البيهقي :] (ولا من كثير تشبع) ؛ وهو من أنواع البديع المستحسنة؛ والباء في " بقليل" ؛ للمصاحبة؛ و" من" ؛ في " من كثير" ؛ بمعنى الباء؛ ثم لما نعى عليه حاله؛ وذم إليه خصاله؛ حثه على الزهادة؛ وبين له أن الكفاف مع الصحة والأمن؛ محصل للغرض؛ وزيادة؛ فقال: (ابن آدم؛ إذا أصبحت) ؛ أي: دخلت في الصباح؛ (معافى) ؛ أي: سالما من الأسقام والآثام؛ ومن قصره على الأول فقد قصر؛ و" العافية" : السلامة؛ ودفع البلاء والمكروه؛ (في جسدك) ؛ بدنك؛ قال الراغب : و" الجسد" ؛ كـ " الجسم" ؛ لكنه أخص؛ فلا يقال: " الجسد" ؛ لغير الإنسان؛ أو " الجسد" ؛ يقال لما له لون؛ و" الجسم" ؛ لما لا يبين له لون؛ كالماء؛ والهواء؛ (آمنا) ؛ بالمد؛ وكسر الميم؛ (في سربك) ؛ بكسر؛ فسكون؛ نفسك؛ أو بفتح؛ فسكون؛ مذهبك ومسلكك؛ أو بفتحتين؛ بيتك؛ (عندك قوت يومك) ؛ ما يقوم بكفايتك في يومك وليلتك؛ وخص اليوم لأنه يستتبعها؛ أو لأن الليل غير محل للاقتيات؛ قال في الصحاح: " القوت" : ما يقوم به البدن؛ وفي المفردات: ما يمسك الرمق؛ (فعلى الدنيا العفاء) ؛ بفتح المهملة؛ والفاء؛ كـ " سماء" ؛ الهلاك والدروس وذهاب الأثر؛ قال الزمخشري : ومنه قولهم: " عليه العفاء" ؛ إذا دعا عليه لعفو أثره؛ والمعنى: إذا كنت كذلك فقد جمع الله لك ما تحتاجه من الدنيا؛ فدع عنك ما عداه؛ واشتغل بما يقربك إلى الله؛ قال الغزالي: مهما تأملت الناس كلهم؛ وجدتهم يشكون؛ ويتألمون من أمور وراء هذه الثلاث؛ مع أنه وبال عليهم؛ ولا يشكرون نعمة الله فيها؛ ومر سليمان - عليه السلام - على بلبل بشجرة يحرك رأسه ويميل ذنبه؛ فقال: " أتدرون ما يقول؟" ؛ قالوا: الله ونبيه أعلم؛ قال: " يقول: أكلت نصف ثمرة؛ فعلى الدنيا العفاء" ؛ وصاحت فاخية فأخبر أنها تقول: " ليت ذا الخلق لم يخلقوا" ؛ وقال صالح بن جناح لابنه: " إذا مر بك يوم وليلة وقد سلم فيهما دينك ومالك وبدنك وعيالك؛ فأكثر الشكر لله؛ فكم من مسلوب دينه؛ ومنزوع ملكه؛ ومهتوك ستره ذلك اليوم؛ وأنت في عافية؛ ومن هنا نشأ زهد الزاهدين؛ فاستراحت قلوبهم بالزهد؛ وانكفوا بالورع عن الكد؛ وتفرغت قلوبهم وأعمالهم لبذل الجد في سبيل الحمد؛ وميز القريب من البعيد؛ والشقي من السعيد؛ والسادة من العبيد؛ وهذا هو المهيع الذي قبض بسطه وجوه القلوب؛ فلم يبق للعاقل حظ فيما زاد على كسرة تكسر شهوته؛ وسترة تواري عورته؛ وما زاد متجر؛ إن أنفقه ربحه؛ وإن ادخره خسره" ؛ وفيه حجة لمن فضل الفقر على الغنى؛ وقد أفاد مطلع الحديث أن الصحة نعمة؛ عظيم وقعها؛ جزيل نفعها؛ بل هي أجل النعم على الإطلاق؛ وفي إشعاره إعلام بأن العالم ينبغي له ألا يغفل عن وعظ الناس؛ إذ الإنسان لما جبل عليه من الغفلات لا بد له من ترغيب يشده؛ وترهيب يرده؛ ومواعظ ترققه؛ وأعمال تصدقه؛ وإخلاص يحققه؛ لترتفع أستار الغفلة عن عيون القلوب؛ وتكتسب الأخلاق الفاضلة لتصقل الصداء عن مرائي النفوس؛ ولقد هز القلوب بحسن هذا النظم؛ وبلاغة تناسبه؛ وبداعة ربطه؛ وبراعة تلاحمه: إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد

(عد هب) ؛ وكذا الخطيب؛ وأبو نعيم ؛ وابن عساكر ؛ وابن النجار ؛ (عن ابن عمر) ؛ ابن الخطاب ؛ ونقله عن ابن عدي ؛ وسكوته عليه يوهم أنه خرجه؛ وسلمه؛ والأمر بخلافه؛ بل قال أبو بكر الداهري؛ أحد رجاله كذاب متروك؛ وقال الذهبي : متهم بالوضع؛ وهكذا هو في مسند البيهقي ؛ وذكر نحوه الحافظ ابن حجر؛ فكان ينبغي حذفه.



الخدمات العلمية