الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
64 - " ابن آدم؛ أطع ربك؛ تسمى عاقلا؛ ولا تعصه؛ فتسمى جاهلا " ؛ (حل)؛ عن أبي هريرة ؛ وأبي سعيد ؛ (ض).

التالي السابق


(ابن آدم) ؛ منادى محذوف الأداة؛ و" الابن" ؛ من " البناء" ؛ لأنه مبني من أبيه؛ ولذلك ينسب المصنوع لصانعه؛ فيقال: " ابن حرب" ؛ و" بنت فكر" ؛ و" آدم" ؛ أبو البشر؛ قال القاضي: والمراد من " ابن آدم" ؛ آدم وأولاده؛ فكأنه صار اسما للنوع؛ كـ " الإنسان" ؛ و" البشر" ؛ وصدر به تنبيها للمنادى؛ ليقبل بكليته على ما يلقى إليه؛ (أطع ربك) ؛ مالكك؛ الذي رباك بأنواع نعمه؛ وصنوف كرمه؛ ففي ذكره - دون غيره - تقريع للمكلف؛ وتذكير بآلاء الله عليه؛ (تسمى) ؛ أي: تستحق أن تسمى (عاقلا) ؛ كامل العقل؛ (ولا تعصه فتسمى جاهلا) ؛ لأن ارتكاب المعاصي مما يدعو إليه السفه والجهل؛ لا مما تدعو إليه الحكمة والعقل؛ ومن ركب متن العصيان هو الجاهل السفيه عند أهل الإيمان؛ العاقل من أطاع الله؛ وإن كان دميم المنظر؛ رث الهيئة؛ والجاهل من عصاه؛ وإن كان جميل المنظر شريف المنزلة؛ حسن الزي؛ فصوحا نطوقا؛ روى الحكيم الترمذي عن أبي الدرداء قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: " يا عويمر ؛ ازدد عقلا؛ تزدد من ربك قربا" ؛ قلت: من لي بالعقل؟ قال: " اجتنب مساخط الله؛ وأد فرائضه؛ تكن عاقلا؛ ثم تنفل بصالحات الأعمال؛ تزدد في الدنيا عقلا؛ ومن ربك قربا؛ وغلبة؛ وعزا" ؛ قال الحكيم: وإنما سمي العقل " عقلا" ؛ لأن الجهل ظلمة؛ وعمله على القلب؛ فإذا غلب نوره العقل؛ وبصره في تلك الظلمة؛ وأبصر؛ صار عقالا للجهل؛ قال الغزالي: فالقردة والخنازير أعظم عند الله ممن عصاه؛ فلا تغتر بتعظيم أهل الدنيا إياهم؛ فإنهم من الخاسرين؛ وقال الزمخشري : من تضرر من مشقة صرف ساعة للطاعة؛ فوقع بسبب ذلك التضرر في مشقة الأبد؛ كان من أجهل الجاهلين؛ فإن العاقل من قاده عقله إلى طاعة مولاه؛ ولم يتابع نفسه وهواه:


ما تبلغ الأعداء من جاهل ... ما يبلغ الجاهل من نفسه



وقال ابن القيم: مخالفة الرب تفسد العقل؛ فإن للعقل نورا؛ والمعصية تطفئه؛ وإذا طفئ نوره ضعف ونقص؛ ولهذا قال حكيم: ما عصى الله أحد حتى يغيب عقله؛ إذ لو حضره عقله حجزه عن العصيان؛ وهو في قبضة الرب؛ وتحت قهره؛ وهو مطلع عليه؛ وفي داره؛ وعلى بساطه؛ وملائكته شهود عليه؛ ناظرون إليه؛ وواعظ القرآن ينهاه؛ وواعظ الإيمان بالموت والنار ينهاه؛ فهل يقدم على الاستخفاف بذلك والاستهانة به ذو عقل؟! وأخذ أقضى القضاة الماوردي من الخبر أن من صرف فضل عقله إلى المكر والدهاء والشر؛ كزياد وأضرابه من دهاة العرب؛ أن الداهية منهم لا يسمى " عاقلا" ؛ لأن الخير والدين من موجبات العقل؛ وإنما هذا يسمى " صاحب رواية ومكر" ؛ ومن ثم لما عزله عمر قيل له: أعن موجدة؛ أو جناية؟ قال: " لا عن واحدة منهما؛ إنما خفت أن أحمل الناس على فضل عقله" ؛ أرأيت أن الشجاع إذا زاد على حد الشجاعة نسب إلى التهور؛ والسخي إذا زاد على حد السخاء نسب إلى التبذير؟! والعقل نور روحاني تدرك به النفس العلوم؛ وقيل: قوة يتميز بها الحسن عن القبيح؛ وقيل: العلم بالمدركات الضرورية؛ وقيل: غيرها؛ ومحله القلب؛ أو الدماغ.

(حل)؛ من حديث علي بن زياد المتوتي؛ عن عبد العزيز بن أبي رجاء ؛ عن سهل؛ عن أبيه؛ (عن أبي هريرة ؛ وأبي سعيد) ؛ الخدري ؛ ثم قال: غريب؛ انتهى؛ وعبد العزيز قال في الميزان عن الدارقطني : متروك؛ له مصنف موضوع؛ ثم ساق له منه هذا؛ قال عقبة في الميزان: هذا باطل؛ وقد اقتصر المؤلف على الرمز لتضعيفه؛ وكان الأولى حذفه.



الخدمات العلمية