الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
90 - " أتاني آت من عند ربي؛ فخيرني بين أن يدخل نصف أمتي الجنة؛ وبين الشفاعة؛ فاخترت الشفاعة؛ وهي لمن مات لا يشرك بالله شيئا " ؛ (حم)؛ عن أبي موسى ؛ (ت حب) ؛ عن عوف بن مالك الأشجعي .

التالي السابق


(أتاني آت) ؛ أي: ملك؛ أو هو النفث؛ وهو ما يلقيه الله إلى نبيه؛ إلهاما كشفيا؛ بمشاهدة عين اليقين؛ (من عند ربي) ؛ أي: برسالة؛ بأمره؛ وأطنب بزيادة العندية؛ إيذانا بتأكد القضية؛ (فخيرني) ؛ في الآتي عن الله؛ وعبر بالرب؛ المشعر بالتربية والإحسان؛ والامتنان؛ وتبليغ الشيء إلى كماله؛ لأنه أنسب بالمقام؛ (بين أن يدخل) ؛ بضم أوله؛ يعني: الله؛ (نصف أمتي) ؛ أمة الإجابة؛ (الجنة؛ وبين الشفاعة) ؛ أي: شفاعتي فيهم؛ يوم القيامة؛ (فاخترت الشفاعة) ؛ لعمومها؛ إذ بها يدخلها؛ ولو بعد دخول النار؛ كل من مات مؤمنا؛ كما قال؛ (وهي) ؛ أي: والحال أنها كائنة؛ أو حاصلة؛ ويحتمل جعل الواو للقسم؛ أي: " والله هي حاصلة" ؛ (لمن مات) ؛ من هذه الأمة؛ ولو مع إصراره على جميع الكبائر؛ لكنه (لا يشرك بالله شيئا) ؛ أي: ويشهد أني رسوله؛ ولم يذكره اكتفاء بأحد الجزأين عن الآخر؛ لعلمهم بأنه لا بد من الإتيان بهما؛ لصحة الإسلام؛ فالمراد أنه يكون مؤمنا بكل ما يجب الإيمان به؛ وهذا متضمن لكرامة المصطفى على ربه؛ وأفضاله على أمته؛ ووفور شفقة النبي - صلى الله عليه وسلم - عليهم؛ قال الحراني : وحقيقة الشفاعة: وصلة بين الشفيع؛ والمشفوع له؛ لمزيد وصلة بين الشفيع؛ والمشفوع عنده؛ وقال القاضي: " الشفاعة" ؛ من " الشفع" ؛ كأن المشفوع له كان فردا؛ فجعله الشفيع شفعا؛ بضم نفسه إليه؛ و" الشيء" ؛ على ما قال سيبويه : يقع على كل ما أخبر عنه؛ وهو أعم العام؛ كما أن " الله" ؛ أخص الخاص؛ ويجرى على الجسم؛ والعرض؛ والقديم؛ والمعدوم؛ والمحال؛ وقول الأشاعرة: المعدوم ليس بشيء؛ معناه: ليس يتميز في الأعيان؛ ثم إنه ليس لك أن تقول: هذا يناقضه ما في الصحيحين؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " فأقول: يا رب ائذن لي فيمن قال: لا إله إلا الله؛ قال: ليس ذلك لك؛ ولكن وعزتي وكبريائي؛ لأخرجن من النار من قال: لا إله إلا الله" ؛ والمراد بـ " القائل: لا إله إلا الله" : من مات معتقدا لها؛ فهو الذي مات لا يشرك بالله شيئا؛ فإذا لم يكن ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فكيف قال: إن هؤلاء تنالهم شفاعة؟ لأنا نقول: قد قيد المصطفى - صلى الله عليه وسلم - من تناله شفاعته مع كونه مات غير مشرك؛ بكونه من أمته؛ والذي جاء فيه أنه ليس إليه؛ غير مقيد بها؛ فحصل التوفيق بأن الذين تنالهم شفاعته هم موحدو أمته؛ والذي استأثر الله به موحدو غيرها؛ كما حرره المحقق أبو زرعة .

(حم؛ عن أبي موسى ) ؛ عبد الله بن قيس؛ (الأشعري) ؛ قال: غزونا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فعرس بنا؛ فانتهيت ليلا لمناخه؛ فلم أجده؛ [ ص: 104 ] فطلبته بارزا؛ فإذا رجل من أصحابي يطلب ما أطلب؛ فطلع علينا؛ فقلنا: أنت بأرض حرب؛ فلو إذ بدت لك حاجة فقلت لبعض صحبك فقام معك؛ فقال: " سمعت هزيزا كهزيز الرحى؛ وحنينا كحنين النحل؛ وأتاني آت..." ؛ إلى آخره؛ فكان ينبغي للمؤلف ذكره بتمامه في حرف السين؛ قال الهيتمي: رجال أحمد ثقات؛ (ت حب؛ عن) ؛ أبي حماد؛ ( عوف ) ؛ بفتح؛ فسكون؛ ( ابن مالك ) ؛ ابن عوف الغطفاني؛ (الأشجعي) ؛ نسبة إلى أشجع؛ قبيلة مشهورة؛ صحابي كانت معه راية أشجع؛ يوم الفتح؛ نزل حمص؛ وبقي إلى أول خلافة عبد الملك .



الخدمات العلمية