الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
1108 - " اطلبوا الخير دهركم كله؛ وتعرضوا لنفحات رحمة الله؛ فإن لله نفحات من رحمته؛ يصيب بها من يشاء من عباده؛ وسلوا الله (تعالى) أن يستر عوراتكم؛ وأن يؤمن روعاتكم " ؛ ابن أبي الدنيا ؛ في الفرج؛ والحكيم ؛ (هب حل)؛ عن أنس ؛ (هب)؛ عن أبي هريرة ؛ (ض).

التالي السابق


(اطلبوا الخير) ؛ أمر بمعنى الخبر؛ كقوله (تعالى): وافعلوا الخير ؛ وقوله في خواص عباده: أولئك يسارعون في الخيرات ؛ والخير هنا: جميع أنواع البر؛ (دهركم كله) ؛ أي: مدة حياتكم جميعها؛ لأن الإنسان لا يعلم نجاته في أي محل؛ ولا في أي وقت تحصل؛ ولهذا قال: " دهركم كله" ؛ وفي المصباح: يطلق " الدهر" ؛ على الأبد؛ والزمان؛ قل؛ أو كثر؛ لكنه في القليل مجاز على الاتساع؛ (وتعرضوا) ؛ أي: اقصدوا؛ أو من " التعرض" ؛ وهو الميل إلى الشيء من أحد جوانبه؛ (لنفحات رحمة الله) ؛ أي: اسلكوا طرقها؛ حتى تصير عادة؛ وطبيعة؛ وسجية؛ وتعاطوا أسبابها؛ وهو فعل الأوامر؛ وتجنب المناهي؛ وعدم الانهماك في اللذات؛ والاسترسال في الشهوات؛ رجاء أن يهب من رياح رحمته نفحة تسعدكم؛ أو المعنى: اطلبوا الخير متعرضين لنفحات رحمة ربكم؛ بطلبكم منه؛ قال الصوفية: التعرض للنفحات: الترقب لورودها؛ بدوام اليقظة؛ والانتباه من سنة الغفلة؛ حتى إذا مرت؛ نزلت بفناء القلوب؛ وفي الصحاح: " نفح الطيب" ؛ فاح؛ و" نفحت الريح" ؛ هبت؛ و" نفحة من عذاب" ؛ قطعة؛ وفي المصباح: " نفحه بالمال" ؛ أعطاه؛ و" النفحة" : العطية؛ وقيل: مبتدأ شيء قليل من كثير؛ (فإن لله نفحات من رحمته؛ يصيب بها من يشاء من عباده) ؛ المؤمنين؛ فداوموا على الطلب؛ فعسى أن تصادفوا نفحة من تلك النفحات؛ فتكونوا من أهل السعادات؛ ومقصود الحديث أن لله فيوضا ومواهب؛ تبدو لوامعها من فتحات أبواب خزائن الكرم والمنن؛ في بعض أوقات؛ فتهب فورتها ومقدماتها كالأنموذج لما وراءها من مدد الرحمة؛ فمن تعرض لها مع الطهارة الظاهرة؛ والباطنة؛ بجمع همة؛ وحضور قلب؛ حصل له منها دفعة واحدة؛ ما يزيد على هذه النعم الدائرة في الأزمنة الطويلة على طول الأعمار؛ فإن خزائن الثواب بمقدار على طريق الجزاء؛ وخزائن المنن النفحة منها تفرق؛ فما تعطي على الجزاء؛ له مقدار ووقت معلوم؛ ووقت النفحة غير معلوم؛ بل مبهم في الأزمنة والساعات؛ وإنما غيب علمه لتداوم على الطلب بالسؤال المتداول؛ كما في ليلة القدر؛ وساعة الجمعة؛ فقصد أن يكونوا متعرضين له في كل وقت؛ قياما وقعودا وعلى جنوبهم؛ وفي وقت التصرف في أشغال الدنيا؛ فإنه إذا داوم؛ أوشك أن يوافق الوقت الذي يفتح فيه؛ فيظفر بالغناء الأكبر؛ ويسعد بسعادة الأبد؛ (وسلوا الله) ؛ وفي رواية: " واسألوا الله" ؛ (تعالى)؛ أي: اطلبوا منه؛ (أن يستر) ؛ أي: يخفي عن خلقه؛ (عوراتكم) ؛ جمع " عورة" ؛ وهي ما يستحى منه إذا ظهر؛ و" العوار" ؛ بالفتح: العيب؛ وقد يضم؛ (وأن يؤمن) ؛ بضم التحتية؛ وفتح الهمزة؛ والتشديد؛ (روعاتكم) ؛ أي: فزعاتكم؛ قال الراغب : " الروع" : إصابة الروع؛ واستعمل فيما ألقي فيه من الفزع؛ يقال: " رعته" ؛ و" روعته" ؛ و" ريع فلان" ؛ و" ناقة روعاء" ؛ فزعة؛ و" الأروع" : الذي يروع بحسنه؛ كأنه يفزع؛ قال:


يروعك أن تلقاه في وسط محفل ... .......................



ولقد أبدع المصطفى؛ وأملح؛ حيث أتى بجناس الاشتقاق بين " عورات" ؛ و" روعات" .

( ابن أبي الدنيا ؛ في) ؛ كتاب؛ (الفرج) ؛ بعد الشدة؛ ( والحكيم) ؛ الترمذي ؛ في النوادر؛ (هب حل) ؛ والقضاعي ؛ كلهم؛ (عن أنس ) ؛ ابن مالك ؛ وفيه حرملة بن يحيى التجيبي؛ قال أبو حاتم : لا يحتج به؛ وأورده الذهبي في الضعفاء والمتروكين؛ (هب؛ عن أبي هريرة ) ؛ رمز المصنف لضعفه؛ وقول البغدادي: حسن صحيح؛ غير صحيح.



الخدمات العلمية