الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
275 - " احلقوه كله؛ أو اتركوه كله " ؛ (د ن) ؛ عن ابن عمر ؛ (صح).

التالي السابق


(احلقوه) ؛ بكسر اللام؛ (كله) ؛ أي: شعر الرأس؛ أي: أزيلوه بحلق؛ أو غيره؛ كقص؛ أو نورة؛ وخص الحلق لغلبته؛ وسلامته من الأذى؛ وغيره قد يؤذي؛ قال الحراني : و" الحلق" : إزالة ما يتأتى الزوال فيه بالقطع؛ من الآلة الماضية في عمله؛ و" الرأس" : مجتمع الخلقة؛ ومجتمع كل شيء رأسه؛ (أو اتركوه) ؛ وفي رواية: " أو ذروه" ؛ (كله) ؛ فإن الحلق لبعض الرأس - وترك بعضه مثله؛ ويسمى " القزع" - فهو مكروه مطلقا؛ تنزيها؛ إلا لعذر؛ سواء كان لرجل؛ أو امرأة؛ ذكره النووي ؛ وسواء كان في القفا؛ أو الناصية؛ أو الوسيط؛ خلافا لبعضهم؛ وأكده بقوله: " كله" ؛ دفعا لتوهم التجوز بإرادة الأكثر؛ وذلك لما فيه من التشويه؛ وتقبيح الصورة؛ والتعليل بذلك - كما قال القرطبي - أشبه منه بأنه زي أهل الدعارة والفساد؛ وبأنه زي اليهود؛ وفهم من إطلاقه عموم النهي؛ كما لو ترك منه مواضع متفرقة؛ أو حلق الأكثر؛ وترك محلا واحدا؛ وهذا من كمال محبة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - للعدل؛ فإنه أمر به؛ حتى في شأن الإنسان مع نفسه؛ فنهاه عن حلق بعض وترك بعض؛ لأنه ظلم للرأس؛ حيث ترك بعضه كاسيا؛ وبعضه عاريا؛ ونظيره المشي في نعل واحدة؛ وقوله: " احلقوه كله" ؛ يدل على جواز الحلق؛ وهو مذهب الجمهور؛ وذهب بعض المالكية إلى تخصيصه بحالة الضرورة؛ محتجا بورود النهي عنه إلا في الحج؛ لكونه من فعل المجوس؛ والصواب الحل بلا كراهة؛ ولا خلاف الأولى؛ وأما قول أبي شامة: الأولى تركه؛ لما فيه من التشويه ومخالفة طريق المصطفى - صلى الله عليه وسلم -؛ إذ لم ينقل عنه أنه كان يحلقه؛ بل إذا قصد به التقرب في غير نسك أثم؛ لأنه شرع في الدين ما لم يأذن به الله؛ ففي حيز المنع بلا ريب؛ كيف [لا]؛ وقد حلق المصطفى - صلى الله عليه وسلم - رؤوس أبناء جعفر بن أبي طالب ؟ وفي أبي داود أنه أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل ثائر الرأس؛ فقال: " مه؛ أحسن إلى شعرك؛ أو احلقه" ؛ فانظر كيف سوى بين ترجيله؛ وحلقه؛ وخيره بينهما؛ وأعدل حديث في هذا المقام قول حجة الإسلام: لا بأس بحلقه لمريد التنظيف؛ ولا بأس بتركه لمن يدهن ويترجل؛ يعني من قدر على دهنه وترجيله فبقاؤه له أولى؛ ومن عسر عليه؛ كضعيف؛ وفقير منقطع؛ علم من بقائه أنه يتلبد؛ ويجمع الوسخ والقمل؛ فالتنظيف منه بحلقه أولى؛ والكلام كله في الذكر؛ أما الأنثى فحلقها له مكروه؛ حيث لا ضرر؛ بل إن كانت مفترشة؛ ولم يأذن الحليل؛ حرم؛ بل عده في المطامح من الكبائر؛ وشاع على الألسنة أن المرأة إذا حلقت رأسها بلا إذن زوجها سقط صداقها؛ وذلك صرخة من الشيطان؛ لم يقل به أحد.

(د)؛ في الترجيل؛ (ن) ؛ في الزينة؛ (عن) ؛ عبد الله (ابن عمر) ؛ ابن الخطاب ؛ قال: رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - صبيا حلق بعض رأسه؛ وترك بعضه؛ فذكره؛ وقضية صنيع المؤلف أنه لم يخرج في أحد الصحيحين؛ وإلا لما عدل عنه؛ وهو غريب؛ فقد خرجه مسلم تلو حديث النهي عن القزع؛ بالسند الذي ذكره؛ وأخرجه به أبو داود ؛ لكنه لم يذكر لفظه؛ بل قال: [" عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن القزع" ]؛ ولذلك فلم يتفطن له المؤلف؛ ومن ثم عزاه الحميدي ؛ كأبي مسعود الدمشقي؛ إلى مسلم ؛ وتبعهما المزي؛ في الأطراف؛ قال في المجموع: وحديث أبي داود صحيح على شرط الشيخين.



الخدمات العلمية