4385 ص: قال أبو جعفر -رحمه الله-: ثم نظرت بعد ذلك في هذا الباب وفي تصحيح الآثار فيه، فإذا هي تدل على ما ذهب إليه أبو حنيفة لا على ما ذهب إليه محمد بن الحسن، وذلك أنا وجدناها على ثلاثة أنواع:
فنوع منها ما روي عن رسول الله -عليه السلام-: "أنه كان يباشر نساءه وهن حيض فوق الإزار" فلم يكن في ذلك دليل على منع الحيض من المباشرة تحت الإزار لما قد ذكرناه في موضعه من هذا الباب.
ونوع منها وهو ما روى عمير مولى عمر، ، عن عمر -رضي الله عنه- عن رسول الله -عليه السلام-[على] ما قد ذكرناه في موضعه، فكان في ذلك منع من جماع الحيض تحت الإزار؛ لأن ما فيه من كلام رسول الله -عليه السلام-، وذكره ما فوق الإزار فإنما هو جواب لسؤال عمر -رضي الله عنه- إياه فقال له: ما فوق الإزار" فكان ذلك جواب سؤاله لا نقصان فيه ولا تقصير. "ما للرجل من امرأته إذا كانت حائضا؟
[ ص: 429 ] ونوع آخر: وهو ما روي عن أنس -رضي الله عنه- على ما قد ذكرناه عنه، فذلك نص على أنه مبيح لإتيان الحيض دون الفرج وإن كانت تحت الإزار، فأردنا أن ننظر أي هذين النوعين تأخر عن صاحبه فنجعله ناسخا له، فنظرنا في ذلك فإذا حديث أنس -رضي الله عنه- فيه إخبار عما كانت اليهود عليه، وقد كان رسول الله -عليه السلام- يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بخلافهم، قد روينا ذلك عن ابن عباس -رضي الله عنهما- في كتاب الجنائز، وقد أمره الله -عز وجل- في قوله: أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده فكان عليه اتباع من تقدمه من الأنبياء -عليهم السلام- حتى تحدث له شريعة تنسخ شريعته، فكان الذي نسخ ما كان اليهود عليه من اجتناب والاجتماع معها في بيت هو ما في حديث كلام الحائض ومؤاكلتها أنس -رضي الله عنه- لا واسطة بينهما، وفي حديث أنس هذا إباحة جماعها فيما دون الفرج، وكان الذي في حديث عمر -رضي الله عنه- الإباحة لما فوق الإزار والمنع مما تحت الإزار، فاستحال أن يكون ذلك متقدما لحديث أنس إذ كان حديث أنس هو الناسخ لاجتناب الاجتماع مع الحائض ومؤاكلتها ومشاربتها، وثبت أنه متأخر عنه وناسخ لبعض الذي أبيح فيه، فثبت ما ذهب إليه أبو حنيفة من هذا بتصحيح الآثار، وانتفى ما ذهب إليه محمد بن الحسن -رحمه الله-.