الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                4386 ص: قال أبو جعفر : -رحمه الله-: فذهب قوم إلى أن وطء المرأة في دبرها جائز، واحتجوا في ذلك بهذا الحديث، وتأولوا هذه الآية على إباحة ذلك.

                                                التالي السابق


                                                ش: أراد بالقوم هؤلاء: محمد بن كعب القرظي وسعيد بن سيار المدني ومالكا وبعض الشافعية فإنهم قالوا: وطء المرأة في دبرها جائز، واحتجوا في ذلك بالحديث المذكور، وتأولوا هذه الآية -يعني قوله تعالى: فأتوا حرثكم أنى شئتم

                                                وقالوا: معناه حيث شئتم من القبل والدبر.

                                                وقال عياض -رحمه الله-: اختلف الناس في وطء النساء في أدبارهن، هل ذلك حرام أم لا؟ وقد تعلق من قال بالتحليل بظاهر الآية، ولا يفصل عنها من يحرم بأن المراد بها ما نزلت عليه من السبب والرد على اليهود فيما قالت، والعموم إذا خرج على سبب قصر عليه عند بعض أهل الأصول، ومن قال بتعديه وحمله على مقتضى اللفظ من التفهم كانت الآية حجة له في نفي التحريم، لكن وردت أحاديث كثيرة بالمنع منه فيكون ذلك تخصيصا لعموم الآية بأخبار الآحاد وفي ذلك خلاف بين الأصوليين.

                                                وقال الحافظ أبو بكر بن العربي في كتابه "أحكام القرآن": اختلف العلماء في جواز نكاح المرأة في دبرها. فجوزته طائفة كبيرة، وقد جمع ذلك ابن شعبان في

                                                [ ص: 434 ] كتابه "جماع النسوان وأحكام القرآن" وأسند جوازه إلى زمرة كريمة من الصحابة والتابعين، وإلى مالك من روايات كثيرة.

                                                وقال أبو بكر الجصاص في كتابه "أحكام القرآن": المشهور عن مالك إباحة ذلك، وأصحابه ينفون عنه هذه المقالة لقبحها وشناعتها، وهي عنه أشهر من أن تندفع بنفيهم عنه.

                                                وقد روى محمد بن سعد ، عن أبي سليمان الجوزجاني قال: "كنت عند مالك بن أنس فسئل عن النكاح في الدبر، فضرب بيده إلى رأسه وقال: الساعة اغتسلت منه".

                                                وقد رواه عنه ابن القاسم على ما يجيء، وقال: قال الطحاوي: وحكى لنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أنه سمع الشافعي يقول: "ما صح عن رسول الله -عليه السلام- في تحريمه ولا تحليله شيء، والقياس أنه حلال".

                                                وروى أصبغ بن الفرج عن ابن القاسم، عن مالك: "ما أدركت أحدا أقتدي به في ديني يشك فيه أنه حلال -يعني وطء المرأة في دبرها- ثم قرأ: نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم قال: فأي شيء أبين من هذا، وما أشك فيه، قال ابن القاسم: فقلت لمالك بن أنس: إن عندنا بمصر الليث بن سعد يحدثنا عن الحارث بن يعقوب ، عن سعيد بن يسار أبي الحباب، قال: قلت لابن عمر -رضي الله عنهما-: "ما تقول في الجواري، أنخمض لهن؟ فقال: وما التخميض؟ فذكرت الدبر، قال: أو يفعل ذلك أحد من المسلمين؟! " فقال مالك: فأشهد على ربيعة بن أبي عبد الرحمن، يحدثني عن أبي الحباب سعيد بن يسار، أنه سأل ابن عمر عنه فقال: "لا بأس به".

                                                قال ابن القاسم: فقال رجل في المجلس: يا أبا عبد الله، فإنك تذكر عن سالم أنه قال: "كذب العلج على أبي - يعني نافعا- كما كذب عكرمة على ابن عباس"، فقال مالك: وأشهد على يزيد بن رومان يحدثني، عن سالم ، عن أبيه "أنه كان يفعله".




                                                الخدمات العلمية