الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                4653 ص: وأما حكم ذلك من طريق النظر؛ فإن فعل الرجل مكرها لا يخلو من أحد وجهين:

                                                إما أن يكون المكره على ذلك الفعل إذا فعله مكرها في حكم من لم يفعله، فلا يجب عليه شيء.

                                                أو يكون في حكم من فعله فيجب عليه ما يجب عليه لو فعله غير مستكره.

                                                فنظرنا في ذلك، فرأيناهم لا يختلفون في المرأة إذا أكرهها زوجها وهي صائمة في شهر رمضان أو حاجة فجامعها؛ أن حجها يبطل، وكذلك صومها، ولم يراعوا في ذلك الاستكراه، فيفرقوا بينها وبين الطواعية، ولا جعلت المرأة فيه في حكم من لم يفعل شيئا، بل قد جعلت في حكم من قد فعل فعلا يجب عليه الحكم، ورفع عنها الإثم في ذلك خاصة، وكذلك لو أن رجلا أكره رجلا على جماع امرأة، اضطره إلى ذلك، كان المهر في النظر على المجامع لا على المكره، ولا يرجع به المجامع على المكره؛ لأن المكره لم يجامع فيجب عليه بجماعه مهر، وما وجب في ذلك الجماع فهو على المجامع لا على غيره.

                                                فلما ثبت في هذه الأشياء أن المكره عليها محكوم عليه بحكم الفاعل لذلك في الطواعية، فيوجبون عليه فيها من الأموال ما يجب على الفاعل لها في الطواعية.

                                                ثبت أنه كذلك المطلق والمعتق والمراجع في الاستكراه يحكم عليه بحكم الفاعل، فيلزم أفعاله كلها.

                                                [ ص: 275 ] فإن قال قائل: فلم لا ألزمت بيعه وإجارته؟

                                                قيل له: إنا قد رأينا البيوع والإجارات قد ترد بالعيوب وبخيار الرؤية، وبخيار الشرط، وليس النكاح كذلك، ولا الطلاق، ولا المراجعة، ولا العتق، فما كان قد ينقض بالخيار المشروط فيه، وبالأسباب التي هي في أصله من عدم الرؤية، والرد بالعيوب، نقض بالإكراه، وما لا يجب نقضه بشيء بعد ثبوته، لم ينقص بالإكراه ولا بغيره.

                                                وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد -رحمهم الله-.

                                                التالي السابق


                                                ش: أي وأما حكم هذا الباب من طريق النظر والقياس، وهذا كله واضح.

                                                قوله: "إما أن يكون المكره" بفتح الراء، وكذلك قوله: "إذا فعله مكرها".

                                                قوله: "لا على المكره" بكسر الراء، وكذلك قوله: "ولا يرجع به المجامع على المكره" وكذا قوله: "لأن المكره".

                                                وقوله: "إن المكره عليها محكوم عليه" بفتح الراء.

                                                قوله: "في الطواعية" مصدر بمعنى الطوع.

                                                قوله: "فإن قال قائل" سؤال يرد على قوله: "ثبت أنه كذلك المطلق ... " إلى آخره.

                                                وقد حققنا هذا فيما مضى عن قريب.




                                                الخدمات العلمية